{ قَالُواْ ياشعيب أصلواتك تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا } من الأصنام أجابوا بذلك أمره عليه السلام إياهم بعبادة الله تعالى وحده المتضمن لنهيهم عن عبادة الأصنام وغرضهم منه إنكار الوحي الآملا لكنهم بالغوا في ذلك إلى حيث أنكروا أن يكون هناك آمر من العقل وزعموا أن ذلك من أحكام الوسوسة والجنون قاتلهم الله أني يؤفكون ، وعلى هذا بنوا استفهامهم وأخرجوا كلامهم وقالوا بطريق الاستهزاء : { *أصلاتك } التي هي من نتائج الوسوسة وأفاعيل المجانين تأمرك بأن نترك ما استمر على عبادته آباؤنا جيلاً بعد جيل من الأوثان والتماثيل . وإنما جعلوه عليه السلام لم يكن يأمرهم من تلقاء نفسه بل من جهة الوحي وأنه كان يعلمهم بأنه مأمور بتبليغه إليهم ، وتخصيصهم إسناد الأمر إلى الصلاة من بين سائر أحكام النبوة لأنه عليه السلام كان كثير الصلاة معروفاً بذلك ، بل أخرج ابن عساكر عن الأحنف أنه عليه السلام كان أكثر الأنبياء صلاة ، وكانوا إذا رأوه يصلي يتغامزون ويتضاحكوم فكانت هي من بين شعائر الدين ضحكة لهم ، وقيل : إن ذلك لأنه عليه السلام كان يصلي ويقول لهم : إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، وروي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وإلى الأول ذهب غير واحد ، وهذا الإسناد حقيقي لا مجازي غاية ما في الباب أنهم قصدوا الحقيقة تهكماً ، واختيار المضارع ليدل على العموم بحسب الزمان ، وقوله سبحانه : { تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ } على تقدير بتكليف أن نترك فحذف المضاف وهو تكليف ، فدخل الجار على { ءانٍ } ثم حذف وحذفه قبلها مطرد ، وعرف التخاطب في مثله يقتضي ذلك ، وقيل : إن الداعي إليه أن الشخص لا يكلف بفعل غيره لأنه غير مقدور له أصلاً ، وقيل : لا تقدير ، والمعنى أصلاتك تأمرك بما ليس في وسعك وعهدتك من أفاعيل غيرك وغرضهم من ذلك التعريض بركاكة رأيه وحاشاه عليه السلام ، والاستهزاء به من تلك الجهة ، وتعقب بأنه يأباه دخول الهمزة على الصلاة دون الأمر ، ويستدعي أن يصدر عنه عليه السلام في أثناء الدعوة ما يدل على ذلك أو يوهمه ، وأني ذلك ؟ فتأمل ، وقرأ أكثر السبعة أصلواتك بالجمع ، وأمر الجمع بين القراءتين سهل ، وقوله تعالى : { أَوْ أَن نَّفْعَلَ في * أموالنا *مَا نَشَؤُا } أجابوا به أمره عليه السلام بإيفاء الحقوق ونهيه عن البخس والنقص وهو عطف على { مَا } وأو بمعنى الواو أي وأن نترك فعلنا ما نشاء في أموالنا من التطفيف وغيره ، ولا يصح عطفه على { أَن نَّتْرُكَ } لاستحالة المعنى إذ يصير حينئذ تأمرك بفعلنا في أموالنا ما نشاء من التطفيف وغيره وهم منهيون عن ذلك لا مأمورون به ، وحمل { مَا } على ما أشرنا إليه هو الظاهر ، وقيل : كانوا يقرضون الدراهم والدنانير ويجرونها مع الصحيحة على جهة التدليس فنهوا عن ذلك فقالوا ما قالوا ، وروي هذا عن محمد بن كعب ، وأدخل بعضهم ذلك الفعل في العثى في الأرض فيكون انلهي عنه نهياً عنه .
ولا مانع من اندراجه في عموم { مَا } ، وقرأ الضحاك بن قيس . وابن أبي عبلة . وزيد بن علي بالتاء في الفعلين على الخطاب فعالعطف على مفعول { تَأْمُرُكَ } أي أصلاتك تأمرك أن تفعل في أموالنا ما تشاء أي من إيفاء المكيال والميزان كما هو الظاهر ، وقيل : من الزكاة ، فقد كان عليه السلام يأمرهم بها كما روي عن سفيان الثوري ، قيل : وفي الآية على هذا مع حمل الصلاة على ما يتبادر منها دليل على أنه كان في شريعته عليه السلام صلاة وزكاة ، وأيد بما روي عن الحسن أنه قال : لم يبعث الله تعالى نبياً إلا فرض عليه الصلاة والزكاة ، وأنت تعلم أن حمل { مَا * تَشَاء } على الزكاة غير متعين بل هو خلاف ظاهر السوق ، وحمل الصلاة على ذلك وإن كان ظاهراً إلا أنه روى ابن المنذر . وغيره عن الأعمش تفسيرها بالقراءة ، ونقل عن غيره تفسيرها بالدعاء الذي هو المعنى اللغوي لها .
وعن أبي مسلم تفسيرها بالدين لأنها من أجل أموره ، وعلى تقدير أن يراد منها الصلاة بالمعنى الآخر لا تدل الآية على أكثر من أن يكون له عليه السلام صلاة ، ولا تدل على أنها من الأمور المكلف بها أحد من أمته فيمكن أن يكون ذلك من خصوصياته عليه السلام ، وما وري عن الحسن ليس نصاً في الغرض كما لا يخفى ، هذا وجوز أن يكون العطف على هذه القراءة على { مَا } وتعقب بأنه يستدعي أن يحمل الترك على معنيين مختلفين ولا يترك على ما يتبادر منه .
وقرأ أبو عبد الرحمن . وطلحة بالنون في الأول والتاء في الثاني ، والعطف على مفعول { تَأْمُرُكَ } والمعنى ظاهر مما تقدم { إِنَّكَ لاَنتَ الحليم الرشيد } وصفوه عليه السلام بهذين الوصفين الجليلين على طريقة الاستعارة التهكمية ، فالمراد بهما ضد معناهما ، وهذا هو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وإليه ذهب قتادة . والمبرد .
وجوز أن يكونوا وصفوه بذلك بناءاً على الزعم ، والجملة تعليل لما سبق من استبعاد ما ذكروه كأنهم قالوا : كيف تكلفنا بما تكلفنا مع أنك أنت الحليم الرشيد بزعمك ؛ وقيل : يجوز أن يكون تعليلاً باقياً على ظاهره بناءاً على أنه عليه السلام كان موصوفاً عندهم بالحلم والرشد ، وكان ذلك بزعمهم مانعاً من صدور ما صدر منه عليه السلام ، ورجح الأول بأنه الأنسب بما قبله لأنه تهكم أيضاً ، ورجح الأخير بأنه يكون الكلام عليه نظير ما مر في قصة صالح عليه السلام من قوله له : { قَدْ كنت * فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هذا } [ هود : 62 ] وتعقيبه بمثل ما عقب به ذلك حسبما تضمنه قوله سبحانه :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.