تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

وقوله تعالى : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلواتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ) قال بعض أهل التأويل ( أصلواتك ) أقراءتك تأمر هذا .

وقال ابن عباس : قالوا ذلك له لأن شعيبا كان يكثر الصلاة كأنه يخرج على الإضمار ؛ يقولون : أصلاتك تأمرك بأن تأمرنا بترك عبادة ما عبد آباؤنا .

وقوله تعالى : ( أصلواتك ) [ يحتمل : صلاتك وصلواتك ][ في الأصل وم : وقوله صلاتك وصلواتك يحتمل ] أن يكون له صلاة معروفة ، يفعلها /244-ب/ فيقول أصلاتك التي تفعلها تأمرك أن نترك كذا ؟ أو صلاة واحدة تكثرها ؟ فقالوا ذلك . فتخصيص الصلاة من بين غيرها من الطاعات لما لعلها كانت من أظهر طاعاته عندهم ، فقالوا له هذا .

ثم يحتمل وجهين :

أحدهما : كأنهم قالوا : ( أَصَلواتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) أو أن نفعل كذا على التسفيه له [ أو التجهيل ][ ساقطة من م ] كمن يوبخ آخر ويسفهه ويقول : أعلمك يأمرك بذلك ؟ وإيمانك يأمرك . هذا كقوله ( بئس ما يأمركم به إيمانكم )[ البقرة : 98 ] ونحوه من الكلام يخرج على التسفيه له أو التجهيل .

والثاني : يقال ذلك على الإنكار ؛ يقول الرجل لآخر : إيمانك يأمرك بذلك ، أو علمك يأمرك بهذا ؛ أي لا يأمرك بذلك ، يحتمل قول هؤلاء ( أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ) أي لا يأمرك بذلك هذا إذا كانت الصلاة التي ذكروها مرضية عندهم . فإن لم تكن مرضية فالتأويل هو الأول .

وقوله تعالى : ( أصلواتك تأمرك )الآية حبب إليهم تقليد آبائهم في عبادة الأصنام واتباعهم إياهم[ في الأصل وم : آباءهم ] والأموال التي كانت لهم ، فمنعهم هذا[ في الأصل وم : هذان ] عن النظر في الحجج والآيات لما حبب إليهم ذلك . وهكذا جميع الكفرة إنما منعهم عن النظر في آيات الله والتأمل في حججه أحده هذه الوجه التي ذكرنا : حب الذات[ في الأصل وم : اللذات ] ودوام الرئاسات والميل إلى الشهوات . ظنوا أنهم لو اتعبوا رسل الله ، وأجابوهم إلى ما دعوهم إليه لذهب عنهم ذلك . ثم قوله تعالى : ( أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ) يحتمل قضاء جميع الشهوات ويحتمل ما ذكر من نقصان المكيال والميزان [ ما يقولون أموالنا ][ في الأصل وم : يقولون أموالنا لما ، في م : يقولون أموالنا ] ليس لأحد فيها حق ، نفعل فيها ما نشاء .

وقال بعضهم : قوله ( أو نفعل )[ الألف صلة ][ من م ، ساقطة من الأصل ] و( أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) .

وقوله تعالى : ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) قال : [ بعض ][ في م : بعضهم من ] أهل التأويل قالوا ذلك له استهزاء به وسخرية ؛ كنوا بالحليم عن السفيه وبالرشيد عن الضال ؛ أن أنت السفيه حين[ في الأصل وم : حيث ] سفهت آباءنا في عبادتهم الأصنام الضال حين[ في الأصل وم : حيث ] تركت ملتهم ومذهبهم .

وقال بعضهم : على النفي والإنكار : أي ما أنت الحليم الرشيد ويشبه أن يكون على حقيقة الوصف له بالحلم والرشد لأنهم لم يأخذوا عليه كذبا قط ولا رأوه على خلاف ولا على سفاهة قط ، فقالوا ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) أي كنت هكذا ، فكيف تركت ذلك ؟ وهو ما قال قوم صالح لصالح حين[ في الأصل وم : حيث ] قالوا : ( يا صالح قد كنت فينا مرجوا )[ الآية : 62 ] .