فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

وجملة : { قَالُواْ يَا شُعَيْبٌ أصلواتك تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : فماذا قالوا لشعيب ؟ وقرئ { أصلاتك } بالإفراد ، و " أن نترك " في موضع نصب . وقال الكسائي : موضعها خفض على إضمار الباء ، ومرادهم بما يعبد آباؤهم ما كانوا يعبدون من الأوثان ، والاستفهام للإنكار عليه والاستهزاء به ، لأن الصلوات عندهم ليست من الخير الذي يقال لفاعله عند إرادة تليين قلبه وتذليل صعوبته كما يقال لمن كان كثير الصدقة إذا فعل ما لا يناسب الصواب : أصدقتك أمرتك بهذا . وقيل : المراد بالصلاة هنا : القراءة . وقيل : المراد بها : الدين ، وقيل : المراد بالصلوات : أتباعه ، ومنه المصلى الذي يتلو السابق ؛ وهذا منهم جواب لشعيب عن أمره لهم بعبادة الله وحده ، وقولهم : { أَوْ أَن نفْعَلَ في أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } جواب له عن أمرهم بإيفاء الكيل والوزن ، ونهيهم عن نقصهما ، وعن بخس الناس ، وعن العثي في الأرض ، وهذه الجملة معطوفة على «ما » في ما يعبد آباؤنا . والمعنى : أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، وتأمرك أن نترك أن تفعل في أموالنا ما نشاء ، من الأخذ والإعطاء ، والزيادة والنقص . وقرئ { تفعل ما تشاء } بالفوقية فيهما . قال النحاس : فتكون { أو } على هذه القراءة للعطف على أن الأولى ، والتقدير : أصلواتك تأمرك أن تفعل في أموالنا ما تشاء . وقرئ «نفعل » بالنون وما تشاء بالفوقية ، ومعناه : أصلواتك تأمرك أن نفعل نحن في أموالنا ما تشاؤه أنت وندع ما نشاؤه نحن وما يجري به التراضي بيننا ؛ ثم وصفوه بوصفين عظيمين فقالوا : { إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد } على طريقة التهكم به ، لأنهم يعتقدون أنه على خلافهما ، أو يريدون إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك ، وفي اعتقادك ، ومعناهم : أن هذا الذي نهيتنا عنه وأمرتنا به يخالف ما تعتقده في نفسك من الحلم والرشد . وقيل : إنهم قالوا ذلك لا على طريقة الاستهزاء بل هو عندهم كذلك ، وأنكروا عليه الأمر والنهي منه لهم بما يخالف الحلم والرشد في اعتقادهم . وقد تقدّم تفسير الحلم والرشد .

/خ95