معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة آل عمران مدنية وآياتها مائتان .

قوله تعالى : { الم } . قال الكلبي والربيع بن أنس وغيرهما : نزلت هذه الآيات في وفد نجران وكانوا ستين راكباً قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم ، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم ، العاقب ، أمير القوم ، وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه ، واسمه عبد المسيح ، والسيد ، ثمالهم ، وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم . وأبو حارثة بن علقمة وهو أسقفهم وحبرهم ، دخلوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى العصر ، عليهم ثياب الحبرات ، جبب وأردية في جمال رجال ، وإذا بالحارث بن كعب يقول : ما رأينا وفداً مثلهم ، وقد حانت صلاتهم فقاموا للصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعوهم " فصلوا إلى المشرق ، فتكلم السيد والعاقب فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم " أسلما " قالا : قد أسلمنا قبلك ، قال : كذبتما ، يمنعكما من الإسلام ادعاؤكما لله ولداً ، وعبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير ، قالا : إن لم يكن ولداً لله فمن أبوه ؟ وخاصموه جميعاً في عيسى فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه ؟ قالوا بلى ، قال : ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت ؟ وأن عيسى يأتي عليه الفناء ؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه ؟ قالوا : بلى ، قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً ؟ قالوا : لا ، قال : ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ؟ قالوا : بلى ، قال : فهل يعلم عيسى من ذلك إلا ما علم ؟ قالوا : لا ، قال : فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء ، وربنا لا يأكل ولا يشرب ، قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ؟ ثم غذي كما يغذى الصبي ؟ ثم كان يطعم ويشرب ويحدث ؟ قالوا : بلى ، قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟ فسكتوا ، فأنزل الله تعالى صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها ،

1

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة آل عمران

هي مدنية ؛ لأن صدرها{[1]} إلى ثلاث وثمانين آية منها نزلت في وفد نجران ، وكان قدومهم في سنة تسع من الهجرة ، كما سيأتي بيان ذلك ، إن شاء الله تعالى عند تفسير آية المباهلة منها ، وقد ذكرنا ما ورد في فضلها مع سورة البقرة في أول تفسير [ سورة ] {[2]} البقرة . وقد ذكرنا الحديث الوارد في أن اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } و { الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } عند تفسير آية الكرسي ،

وتقدم الكلام على قوله تعالى : { الم } في أول سورة البقرة ، بما أغنى عن إعادته ،


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).