غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة آل عمران

وهي مدنية حروفها 4424 كلماتها 485 آياتها مائتان

1

التفسير : أما قراءة عاصم فلها وجهان : الأول نية الوقف ثم إظهار الهمزة لأجل الابتداء . الثاني أن يكون ذلك على لغة من يقطع ألف الوصل . وأما من فتح الميم ففيه قولان : أحدهما قول الفراء واختيار كثير من البصريين وصاحب الكشاف أن أسماء الحروف موقوفة الأواخر تقول : ألف ، لام ، ميم كما تقول : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، وعلى هذا وجب الابتداء بقوله { الله } فإذا ابتدأنا به تثبت الهمزة متحركة إلا أنهم أسقطوا الهمزة للتخفيف وألقيت حركتها على الميم لتدل حركتها على أنها في حكم المبقاة بسبب كون هذه اللفظة مبتدأ بها ، فكأن الهمزة ساقطة بصورتها باقية بمعناها . وثانيهما قول سيبويه وهو أنه لما وصل { الله } ب { آلم } التقى ساكنان بل سواكن ضرورة سقوط الهمزة في الدرج ، فوجب تحريك الأول أعني الوسطاني منها وهو الميم وكان الأصل هو الكسر إلا أنهم فتحوا الميم محافظة على التفخيم . فالفتحة على هذا القول ليست هي المنقولة من همزة الوصل فلا يرد عليه ما يرد على القول الأول من أن الهمزة حيث لا وجود لها في الوصل أصلاً فكيف تنقل حركتها .

قال الواحدي : نقل المفسرون أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران ستون راكباً فبهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم وثلاثة منهم كانوا أكابر القوم ، أحدهم أميرهم واسمه عبد المسيح والثاني مشيرهم ووزيرهم ، وكانوا يقولون له السيد واسمه الأيهم ، والثالث حبرهم وأسقفهم وصاحب مدراسهم يقال له أبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل . وكان ملوك الروم شرفوه وموّلوه فأكرموه لما بلغهم عنه عن علمه واجتهاده في دينهم ، فلما قدموا من نجران ركب أبو حارثة بغلته وكان إلى جنبه أخوه كرز بن علقمة فبينما بغلة أبي حارثة تسير إذ عثرت فقال كرز أخوه : تعس الأبعد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال أبو حارثة : بل تعست أمك . فقال : ولم يا أخي ؟ فقال : إنه والله النبي صلى الله عليه وسلم الذي ننتظره . فقال له أخوه كرز : فما يمنعك منه وأنت تعلم هذا ؟ قال : لأن هؤلاء الملوك أعطونا أموالاً كثيرة وأكرمونا . فلو آمنا بمحمد لأخذوا منا كل هذه الأشياء . فوقع ذلك في قلب أخيه كرز وكان يضمره إلى أن أسلم ، وكان يحدث بذلك ، ثم تكلم أولئك الثلاثة - الأمير والسيد والحبر - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختلاف من أديانهم . فتارة يقولون عيسى هو الله ، وتارة ابن الله ، وتارة ثالث ثلاثة ، ويحتجون لقولهم هو " الله " بأنه كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيطير ، ويحتجون في قولهم " إنه ولد الله " بأنه لم يكن له أب يعلم ، ويحتجون على " ثالث ثلاثة " بقول الله تعالى : " فعلنا وفعلنا " ولو كان واحداً لقال " فعلت " . وقد حان وقت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوهم . فصلوا إلى المشرق ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسلموا فقالوا : قد أسلمنا قبلك . فقال صلى الله عليه وسلم : كذبتم . كيف يصح إسلامكم وأنتم تثبتون لله ولداً ، وتعبدون الصليب وتأكلون الخنزير ؟ قالوا : فمن أبوه ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى في ذلك أول سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها آية المباهلة . ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يناظر معهم فقال : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه ؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أنه حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء ؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه ؟ فهل يملك عيسى شيئا من ذلك ؟ قالوا : لا . قال : ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فهل يعلم عيسى شيئاً من ذلك إلا ما علم ؟ قالوا : لا .

قال : فإن ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء ، فهل تعلمون ذلك ؟ قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث ، وتعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ووضعته كما تضع المرأة وغذي كما يغذى الصبي ، ثم كان يطعم الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث ؟ قالوا : بلى . فقال صلى الله عليه وسلم : فكيف يكون هو كما زعمتم ؟ فعرفوا ثم أبوا إلا حجوداً ثم قالوا : يا محمد ، ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه ؟ قال : بلى ، قالوا : فحسبنا . ففي ذلك نزل { فأما الذين في قلوبهم زيغ } الآية . وتمام القصة سيجيء في آية المباهلة إن شاء الله تعالى .

/خ11