لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

السورة التي يذكر فيها آل عمران

بسم الله الرحمان الرحيم

اختلف أهل التحقيق في اسم " الله " هل هو مشتق من معنى أم لا ؟ فكثير منهم قالوا إنه ليس بمشتق من معنى ، وهو له سبحانه على جهة الاختصاص يجري في وضعه مجرى أسماء الأعلام في صفة غيره ، فإذا قرع بهذا اللفظ أسماء أهل المعرفة لم تذهب فهومهم ولا علومهم إلى معنى غير وجوده سبحانه وحقه . وحق هذه القالة أن تكون مقرونة بشهود القلب فإذا قال بلسانه " الله " أو سمع بآذانه شهد بقلبه " الله " .

وكما لا تدل هذه الكلمة على معنى سوى " الله " لا يكون مشهود قائلها إلا " الله " فيقول بلسانه " الله " ، ويعلم بفؤاده " الله " ، ويعرف بقلبه " الله " ، ويحب بروحه " الله " ، ويشهد بسره " الله " فلا يكون فيه نصيب لغير الله ، وإذا أشرف على أن يصير محوا في الله لله بالله تداركه الحق سبحانه برحمته فيكاشفه بقوله الرحمن الرحيم استبقاء لمهجتهم أن تتلف ، وإرادة في قلوبهم أن تنقى ، فالتلطف سنة منه سبحانه لئلا يفنى أولياؤه بالكلية .

قوله جلّ ذكره : { الم اللهُ } .

أشار بقوله ألف إلى قيامه بكفايتك على عموم أحوالك ، فأنت في أسر الغفلة لا تهتدي إلى صلاحك ورشدك ، وهو مجرٍ ما يجبرك ، وكافٍ بما ينصرك ، فبغير سؤالك - بل بغير علمك بحالك - يكفيك من حيث لا تشعر ، ويعطيك من غير أن تطلب .

والإشارة من اللام إلى لطفه بك في خفيِّ السرِّ حتى أنه لا يظهر عليك محل المنة فيما يثبتك فيه . والإشارة من الميم لموافقة جريان التقدير بمتعلقات الطِّلْبَةِ من الأولياء ، فلا يتحرك في العالم شيء ، ولا تظهر ذرة إلا وهو بمحل الرضا منهم حتى أن قائلاً لو قال في قوله :{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأنٍ }[ الرحمن : 29 ] إن ذلك الشأن تحقيق مراد الأولياء - لم يكن ذلك ببعيد .

ويقال تفرَّق عن القلوب - باستماع هذه الحروف المقطعة التي هي خلاف عادة الناس في التخاطب - كلُّ معلوم ومرسوم ، ومعتاد وموهوم ، من ضرورة أو حسٍّ أو اجتهاد ، حتى إذا خلت القلوب عن الموهومات والمعلومات ، وصفَّى الأسرار عن المعتادات والمعهودات يَرِدُ هذا الاسم وهو قوله : " الله " على قلب مقدَّسٍ من كل غَيْرٍ ، وسِرٍّ مصفىً عن كل كيف ؛ فقال : { الم اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَىُّ القَيُّومُ } .

فهو الذي لا يلهو فيشتغل عنك ، ولا يسهو فتبقى عنه ، فهو على عموم أحوالك رقيبُ سِرِّك ؛ إنْ خلوتَ فهو رقيبك ، وإن توسطت الخَلْقَ فهو رقيبك ، وفي الجملة - كيفما دارت بك الأحوال - فهو حبيبك .