الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{الٓمٓ} (1)

قد تقدَّم الكلامُ على هذا مشعباً ، ولكنْ نَقَل الجرجانيُّ هنا أن " ألم " إشارةٌ إلى حروفِ المعجمِ كأنه يقول : هذه الحروفُ كتابُك أو نحوُ هذا ، ويدلُّ :

{ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ } [ آل عمران : 2-3 ] على ما تَرَكَ ذِكْرَه من خبرِ هذه الحروفِ ، وذلك في نَظْمِه مثلُ قولِه تعالى : { أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ }

[ الزمر : 22 ] وتركَ الجوابَ لدلالةِ قولِه : { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ } [ الزمر : 22 ] عليه تقديرُه : كَمَنْ قسا قلبُه ، ومنه قَولُ الشاعر :

فلا تَدْفِنوني إنَّ دَفْني مُحَرَّمٌ *** عليكم ولكنْ خامِري أمُّ عامرِ

أي : ولكن اتركوني للتي يقال لها " خامري أم عامر " . انتهى .

قال ابنُ عطية : يَحْسُن في هذا القول - يعني قولَ الجرجاني - أن يكون " نَزَّل " خبرَ قولِه " الله " حتى يرتبطَ الكلامُ إلى هذا المعنى . قال الشيخ " وهذا الذي ذكره الجرجاني فيه نظرٌ ، لأنَّ مُثُلَه ليست صحيحة الشبهِ بالمعنى الذي نحا إليه ، وما قاله في الآية محتملٌ ، ولكنَّ الأبرعَ في الآية أن " ألم " لا تَضُمُّ ما بعدها إلى نفسها في المعنى ، وأن يكونَ قولُه : { اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [ آل عمران : 2 ] كلاماً مبتدأً جزماً جملةً رادَّةً على نصارى نَجْران " . قلت : هذا الذي ردَّه الشيخ على القاضي الجرجاني هو الذي اختاره الجرجاني وتبجَّج به ، وجَعَله أحسنَ الأقوالِ التي حكاها في كتابه " نظم القرآن " .

2