جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة آل عمران

وآياتها مائتان وركوعاتها عشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

{ الم } قد مر تفسيرها{[596]} ، فلا نعيده


[596]:قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة فكان بعضهم يجعلها أسماء للسور تعرف كل سورة بما افتتحت به منها، وكان بعضهم يجعلها أقساما، وكان بعضهم يجعلها حروفا مأخوذة من صفات الله تعالى يجتمع بها المفتتح الواحد صفات كثيرة، كقول ابن عباس في (كهيعص): إن الكاف من كاف، والهاء من هاد، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، وقال الكلبي: هو كتاب كاف هاد حكيم عالم صادق، ولكل مذهب من هذه المذاهب وجه حسن ونرجو ألا يكون ما أريد بالحروف خارجا منها إن شاء الله. فإن كانت أسماء للسور فهي أعلام تدل على ما تدل عليه الأسماء من أعيان الأشياء، وتفرق بينها فإذا قال القائل: قرأت (المص) أو قرأت (ص)، أو (ن) دل بذلك على ما قرأ كما تقول: لقيت محمدا، وكلمت عبد الله فهي تدل بالاسمين على العينين، وإن كان قد يقع بعضها مثل (حم)، و(الم) لعدة سور –فإن الفصل قد يقع بأن تقول (حم السجدة) و(الم البقرة) كما يقع الوفاق في الأسماء فتدل بالإضافات وأسماء الأباء والكنى. وإن كانت أقساما فيجوز أن يكون الله عز وجل أقسم بالحروف المقطعة كلها واقتصر على ذكر بعضها من ذكر جميعها، فقال: (الم) وهو يريد جميع الحروف المقطعة كما يقول القائل: تعلمت (أ ب ت ث) وهو لا يريد تعلم هذه الأربعة الأحرف دون غيرها من الثمانية والعشرين، ولكنه لما طال أن يذكرها كلها اجتزأ بذكر بعضها، ولو قال: تعلمت (حاء طاء صاد) لدل أيضا على حروف المعجم كما دل بالقول الأول، إلا أن الناس يدلون بأوائل الأشياء عليها فيقولون: قرأت (الحمد لله)، يريدون فاتحة الكتاب فيسمونها بأول حرف منها هذا الأكثر وربما دلوا بغير الأول أيضا، أنشد الفراء: لما رأيت أنها في حطى *** أخذت منها بقرون شمط يريد في (أبي جاد)، فدل بحطى كما دل غيره بأبي جاد. وإنما أقسم الله بحروف المعجم لشرفها، وفضلها، ولأنها مباني كتبه المنزلة بالألسنة المختلفة، ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العلى وأصول كلام الأمم بها يتعارفون ويذكرون الله ويوحدون. وقد أقسم الله في كتابه الفجر، والطور، وبالعصر، وبالتين والزيتون وهما جبلان ينبتان التين والزيتون – يقال لأحدهما: طور زيتا، وللآخر: طور تينا بالسريانية - من الأرض المقدسة، فسماهما بما ينبتان. وأقسم بالقلم إعظاما لما يسطرون، ووقع القسم بها في أكثر السور على القرآن فقال (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه) (البقرة: 1،2)، كأنه قال وحروف المعجم لهو الكتاب لا ريب فيه. و(الم الله لا إله إلا هو) أي: وحروف المعجم لهو الله لا إله إلا هو. و(المص كتاب أنزل إليك) (الأعراف: 1،2)، أي: وحروف المعجم لهو كتاب أنزل إليك و(يس والقرآن الحكيم) (يس: 1،2) [وفي الأصل: ياسين]، و(ص والقرآن ذي الذكر) (ص: 1)، و(ق والقرآن المجيد) (ق: 1)، كله أقسام / مـ تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.