فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة آل عمران

هي مدنية ، قال القرطبي بالإجماع ، ومما يدل على ذلك أن صدرها إلى ثلاث وثمانين آية نزل في وفد نجران ، وكان قدومهم في سنة تسع من الهجرة .

وقد أخرج البيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال : نزلت سورة آل عمران بالمدينة . وقد تقدم في أوائل سورة البقرة ما هو مشترك بينها وبين هذه السورة من الأحاديث الدالة على فضلهما ، وكذلك تقدم ما ورد في السبع الطوال . وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس " . وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب قال : من قرأ البقرة وآل عمران والنساء كتب عند الله من الحكماء . وأخرج الديلمي ومحمد بن نصر والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود : من قرأ آل عمران فهو غني . وأخرج الدارمي وعبد بن حميد والبيهقي عنه قال : نعم كنز الصعلوك آل عمران يقوم بها الرجل من آخر الليل . وأخرج سعيد بن منصور عن أبي عاطف قال : اسم آل عمران في التوراة طيبة . وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الملك بن عمير قال : قرأ رجل البقرة وآل عمران ، فقال كعب : قد قرأ السورتين إن فيهما الاسم الذي إذا دعي به أجاب .

قرأ الحسن ، وعمرو بن عبيد وعاصم بن أبي النجود وأبو جعفر الرواسي «الم الله » بقطع ألف الوصل على تقدير الوقف على { الم } كما يقدرون الوقف على أسماء الأعداد نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة مع وصلهم . قال الأخفش : ويجوز «الم الله » بكسر الهمزة لالتقاء الساكنين . قال الزجاج : هذا خطأ ، ولا تقوله العرب لثقله . وقد ذكر سيبويه في الكتاب أن فواتح السور التي لم تكن موازنة لمفرد طريق التلفظ بها الحكاية فقط ساكنة الأعجاز على الوقف ، سواء جعلت أسماء ، أو مسرودة على نمط التعديد ، وإن لزمها التقاء الساكنين لما أنه مغتفر في باب الوقف ، فحق هذه الفاتحة أن يوقف عليها ، ثم يبدأ بما بعدها ، كما فعله الحسن ، ومن معه في قراءتهم المحكية سابقاً . وأما فتح الميم على القراءة المشهورة ، فوجهه ما روى عن سيبويه أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين . وقال الكسائي : حروف التهجي إذا لقيتها ألف وصل ، فحذفت الألف ، وحركت الميم بحركة الألف ، وكذا قال الفراء . وهذه الفواتح إن جعلت مسرودة على نمط التعديد ، فلا محل لها من الإعراب ، وإن جعلت أسماء للسورة ، فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها ، أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام كاذكر ، أو اقرأ ، أو نحوهما ، وقد تقدم في أوائل سورة البقرة ما يغني عن الإعادة .

/خ6