قوله تعالى : { وجاءت سيارة } ، وهم القوم المسافرون ، سموا سيارة لأنهم يسيرون في الأرض ، كانت رفقة من مدين تريد مصر ، فأخطأوا الطريق فنزلوا قريبا من الجب ، وكان الجب في قفر بعيد من العمران للرعاة والمارة ، وكان ماؤه مالحا فعذب حين ألقي يوسف عليه السلام فيه ، فلما نزلوا أرسلوا رجلا من أهل مدين يقال له مالك بن ذعر ، لطلب الماء .
قوله تعالى : { فأرسلوا واردهم } والوارد الذي يتقدم الرفقة إلى الماء فيهيئ الأرشية والدلاء . { فأدلى دلوه } ، أي : أرسلها في البئر ، يقال : أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر ، ودلوتها إذا أخرجتها ، فتعلق يوسف بالحبل فلما خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أعطي يوسف شطر الحسن " . ويقال : إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة ، وكانت قد أعطيت سدس الحسن وقال ابن إسحاق ذهب يوسف وأمه بثلثي الحسن . فلما رآه مالك بن ذعر ، { قال يا بشرى } ، قرأ الأكثرون هكذا بالألف وفتح الياء ، والوجه أن بشراي مضافة إلى ياء المتكلم ، وهو منادى مضاف ، فموضعه نصب ، وقرأ أهل الكوفيون : يا بشرى ، بغير ياء الإضافة على فعلى ، وأمال الراء حمزة والكسائي ، وفتحها عاصم ، والوجه في إفرادها عن ياء المتكلم هو أن بشرى نكرة هاهنا ، فناداها كما تنادي النكرات ، نحو قولك : يارجلا ويا راكبا ، إذا جعلت النداء شائعا فيكون موضعه نصبا مع التنوين ، ويجوز أن يكون بشرى منادى تعرف بالقصد ، نحو يا رجل ، يريد نادى المستقى رجلا من أصحابه اسمه بشرى ، فتكون بشرى في موضع رفع ، وقيل : بشر المتقي أصحابه ، يقول أبشروا .
قوله تعالى : { هذا غلام } وروى ابن مجاهد عن أبيه : أن جدران البئر كانت تبكي على يوسف حين أخرج منها . { وأسروه } ، أخفوه ، { بضاعةً } ، قال مجاهد : أسره مالك بن ذعر وأصحابه من التجار الذين معهم وقالوا هو بضاعة استبضعها بعض أهل الماء إلى مصر خيفة أن يطلبوا منهم فيه المشاركة . وقيل : أراد أن إخوة يوسف أسروا شأن يوسف وقالوا هذا عبد لنا أبق منا .
قوله تعالى : { والله عليم بما يعملون } ، فأتى يهوذا يوسف بالطعام فلم يجده في البئر ، فأخبر بذلك إخوته ، فطلبوه فإذا هم بمالك وأصحابه نزولا ، فأتوهم فإذا هم بيوسف ، فقالوا هذا عبد آبق منا . ويقال : إنهم هددوا يوسف حتى لم يعرف حاله . وقال مثل قولهم ، ثم باعوه .
ثم لنعد سريعا إلى يوسف في الجب ، لنرى المشهد الأخير في هذه الحلقة الأولى من حلقات القصة :
( وجاءت سيارة ، فأرسلوا واردهم ، فأدلى دلوه قال : يا بشرى . هذا غلام . وأسروه بضاعة ، والله عليم بما يعملون . وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ، وكانوا فيه من الزاهدين )
لقد كان الجب على طريق القوافل ، التي تبحث عن الماء في مظانه ، في الآبار وفي مثل هذا الجب الذي ينزل فيه ماء المطر ويبقى فترة ، ويكون في بعض الأحيان جافا كذلك :
أي قافلة سميت سيارة من السير الطويل كالكشافة والجوالة والقناصة . . .
أي من يرد لهم الماء ويكون خبيرا بمواقعه . .
لينظر الماء أو ليملأ الدلو - ويحذف السياق حركة يوسف في التعلق بالدلو احتفاظا بالمفاجأة القصصية للقاريء والسامع - :
( قال : يا بشرى ! هذا غلام ! ) . .
ومرة أخرى يحذف السياق كل ما حدث بعد هذا وما قيل ، وحال يوسف ، وكيف ابتهج للنجاة ، ليتحدث عن مصيره مع القافلة :
أي اعتبروه بضاعة سرية وعزموا على بيعه رقيقا . ولما لم يكن رقيقا فقد أسروه ليخفوه عن الأنظار .
{ وجاءت سيّارةٌ رفقة يسيرون من مدين إلى مصر فنزلوا قريبا من الجب وكان ذلك بعد ثلاث من إلقائه فيه . { فأرسلوا واردهم } الذي يرد الماء ويستقي لهم وكان مالك بن ذعر الخزاعي . { فأدلى دلوهُ } فأرسلها في الجب ليملأها فتدلى بها يوسف فلما رآه . { قال يا بشرى هذا غلام } نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه كأنه قال تعال فهذا أوانك . وقيل هو اسم لصاحب له ناداه ليعينه على إخراجه . وقرأ غير الكوفيين " يا بشراي " بالإضافة ، وأمال فتحة الراء حمزة والكسائي . وقرأ ورش بين اللفظين وقرئ { يا بشرى } بالإدغام وهو لغة و " بشراي " بالسكون على قصد الوقف . { وأسرّوه } أي الوارد وأصحابه من سائر الرفقة . وقيل أخفوا أمره وقالوا لهم دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر . وقيل الضمير لإخوة يوسف وذلك أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام فأتاه يومئذ فلم يجده فيها فأخبر إخوته فأتوا الرفقة وقالوا : هذا غلامنا أبق منا فاشتروه ، فسكت يوسف مخافة أن يقتلوه . { بضاعةً } نصب على الحال أي أخفوه متاعا للتجارة ، واشتقاقه من البضع فإنه ما بضع من المال للتجارة . { والله عليم بما يعملون } لم يخف عليه أسرارهم أو صنيع إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.