الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (19)

وقوله سبحانه : { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ } [ يوسف : 19 ] .

قيل : إِن السيارة جاءَتْ في اليومِ الثاني من طرحه ، و«السيارةُ » : بناءُ مبالغةٍ للذين يردِّدون السيْرَ في الطُرق .

قال ( ص ) : و«السَّيَّارَة » : جمع سَيَّار ، وهو الكثيرُ السَّيْر في الأرض ، انتهى . و«الوَارد » : هو الذي يأتي الماءَ يستَقي منه لجماعته ، وهو يَقَعُ على الواحدِ وعلى الجَمَاعَةِ . وروي أنَّ مُدْلِيَ الدَّلْو كان يسمَّى مَالِكَ بْنَ دعر ، ويروَى أَنَّ هذا الجُبَّ كان بالأُرْدُنِّ على ثلاثةِ فراسِخَ من منزل يَعْقُوبَ ، ويقال : أدلَى دلْوَهُ ؛ إِذا ألقاه ليستقِيَ الماءَ ، وفي الكلام حذفٌ ، تقديره : فتعلَّق يوسُفُ بالحَبْل ، فلما بَصُرَ به المُدْلِي ، قال : { يا بشراي } ، وروي أنَّ يوسُفَ كان يومئِذٍ ابنَ سَبْعَ سِنينَ ؛ ويرجِّح هذا لفظةُ { غُلاَمٌ } ؛ فإِنها لِمَا بَيْنَ الحولَيْن إِلى البلوغِ ، فإِن قيلتْ فيما فَوْقَ ذلك ، فعلى استصحاب حالٍ ، وتجوُّزٍ ، وقرأَ نافعٌ وغيره : «يا بُشْرَايَ » بإِضافةِ البُشْرَى إِلى المتكلِّم ، وبفتح الياء على ندائها ؛ كأنه يقولُ : احضري ، فهذا وَقْتُكِ ، وقرأ حمزة والكسائي : «يَا بُشْرى » ، ويميلاَنِ ولا يضيفَانِ ، وقرأ عاصمٌ كذلك إِلاَّ أَنه يفتح الراءَ ولا يُمِيلُ ، واختلف في تأويل هذه القراءة ، فقال السدي : كان في أصحاب هذا الوارد رَجُلٌ اسمه «بُشْرَى » ؛ فناداه ، وأعلمه بالغلامِ ، وقيل : هو على نداءِ البُشْرَى ؛ كما قدَّمنا .

وقوله سبحانه : { وَأَسَرُّوهُ بضاعة } قال مجاهد : وذلك أنَّ الوُرَّاد خَشُوا من تُجَّار الرفْقة ، إِنْ قالوا وجدْنَاه ؛ أنْ يشاركوهم في الغُلاَمِ الموجُودِ ، يعني : أو يمنعوهم من تملُّكه ، إِن كانوا أخياراً ، فأسروا بينهم أنْ يقولُوا : أَبْضَعَهُ مَعَنَا بعْضُ أهْلِ المِصْرِ ، و«بِضَاعة » : حالٌ ، والبضاعة : القطعةُ من المالِ يُتْجَرُ فيها بِغَيْرِ نصيبٍ من الرِّبْحِ ؛ مأخوذة من قولهم : «بَضْعَة » ؛ أي : قطعة ، وقيل : الضمير في «أَسَرُّوه » يعود على إِخوة يوسف .