الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (19)

{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ } أي رفقة مارة من قبل مدين يريدون مصر ، فأخطأوا الطريق فانطلقوا يمشون على غير الطريق حتى نزلوا قريباً من الجب ، وكان الجب في قفرة بعيداً من العمران ، إنما هو للرعاة والمجتازة ، وكان ماؤه مالحاً فعذب حين أُلقي فيه يوسف ، فلما نزلوا أرسلوا رجلا من أهل مدين يقال له مالك بن ذعر ليطلب لهم الماء فذلك قوله { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } الوارد : الذي يتقدم الرفقة إلى الماء فيُهيّئ الأرشية والدلاء ، فوصل إلى البئر { فَأَدْلَى } فيها { دَلْوَهُ } أي أرسلها يقال : أدليت الدلو في الماء إذا أرسلتها فيها ، ودلَوتها دلواً إذا أخرجتها منها ، فتعلّق يوسف ( عليه السلام ) بالحبل ، فلمّا خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون من الغلمان .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أُعطي يوسف شطر الحسن والنصف الآخر لسائر الناس " ، قال كعب الأحبار : كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ، ضخم العينين ، مستوي الخلق ، أبيض اللون ، غليظ الساقين والساعدين والعضدين ، خميص البطن ، صغير السرة ، وكان إذا ابتسم رأيت النور في ضواحكه ، وإذا تكلم رأيت في كلامه شعاع النور ، ينبهر بين ثناياه ولا يستطيع أحد وصفه ، وكان حسنه كضوء النهار عند الليل ، وكان يشبه آدم ( عليه السلام ) يوم خلقه الله وصوره ونفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية ، ويقال : إنه ورث ذلك الجمال من جدّته سارة وكانت قد أُعطيت سدس الحسن .

فلمّا رآه مالك بن ذعر { قَالَ يبُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ } واختلفت القراء في قوله : يا بشري ، فقرأ أهل الكوفة بسكون الياء ، وقالوا : نادى مالك في رجلا من أصحابه ، اسمه بشري ، فقال : يا بشر ، كما يقول : يا زيد ، وهذا في محل رفع على النداء المفرد ، وهذا قول السدّي .

وقرأ الباقون : يا بشرايَ بالألف وفتح الياء على الإضافة وقالوا : بشّر المستقي أصحابه بأنه أصاب عبداً .

{ وَأَسَرُّوهُ } واخفوه { بِضَاعَةً } نصب على الحال ، قال مالك بن ذعر أصحابه من التجار الذين معه وقالوا لهم : هو بضاعة استبضعناها بعض أهل الماء إلى مصر خيفة أن يطلبوا منهم فيه الشركة إنْ علموا بثمنه ، عطية عن ابن عباس : يعني بذلك إخوة يوسف ، أسرّوا شأن يوسف أن يكون أخاهم وقالوا : هو عبد لنا أبق منّا .

قال الله تعالى { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } فأتى يهودا يوسف بالطعام فلم يجده في البئر فأخبر أخوته بذلك فطلبوه ، فإذا هم مالك وأصحابه نزول ، فأتوهم فإذا هم بيوسف فقالوا : هذا عبد أبق منّا ، وقال وهب : كان يهودا [ مستنداً ] من بعيد ينظر ما يطرأ على يوسف ، فلمّا أخرجوه رآه فأخبر الآخرين ، فأتوا مالكاً وقالوا : هذا عبدنا ، وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته ، فقال مالك : أنا اشتريه منكم ، فباعوه منه فذلك قوله تعالى { وَشَرَوْهُ }