الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (19)

{ وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ } رفقة تسير من قبل مدين إلى مصر ، وذلك بعد ثلاثة أيام من إلقاء يوسف في الجب ، فأخطئوا الطريق فنزلوا قريباً منه ، وكان الجب في قفرة بعيدة من العمران لم يكن إلا للرعاة . وقيل : كان ماؤها ملحاً . فعذب حين ألقي فيه يوسف { فَأَرْسَلُواْ } رجلا يقال له مالك ابن ذعر الخزاعي ، ليطلب لهم الماء . والوارد : الذي يرد الماء ليستقي للقوم { يا بشرى } نادى البشرى ، كأنه يقول : تعالى ، فهذا من آونتك وقرىء : «يا بشراي » على إضافتها إلى نفسه . وفي قراءة الحسن وغيره : «يا بشري » بالياء مكان الألف ، جعلت الياء بمنزلة الكسرة قبل ياء الإضافة وهي لغة للعرب مشهورة سمعت أهل السروات يقولون في دعائهم : يا سيدي ومولي . وعن نافع : يا بشراي بالسكون ، وليس بالوجه لما فيه من التقاء الساكنين على غير حدّه ، إلا أن يقصد الوقف . وقيل : لما أدلى دلوه أي أرسلها في الجب تعلق يوسف بالحبل ، فلما خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون ، فقال : يا بشراي { هذا غُلاَمٌ } وقيل : ذهب به ، فلما دنا من أصحابه صاح بذلك يبشرهم به { وَأَسَرُّوهُ } الضمير للوارد وأصحابه : أخفوه من الرفقة . وقيل : أخفوا أمره ووجدانهم له في الجب ، وقالوا لهم : دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر . وعن ابن عباس أنّ الضمير لإخوة يوسف ، وأنهم قالوا للرفقة هذا غلام لنا قد أبق فاشتروه منا ، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه . و { بضاعة } نصب على الحال ، أي : أخفوه متاعاً للتجارة . والبضاعة : ما بضع من المال للتجارة أي قطع { والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } لم يخف عليه أسرارهم ، وهو وعيد لهم حيث استبضعوا ما ليس لهم . أو : والله عليم بما يعمل إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنيع .