بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (19)

قوله تعالى :

{ وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ } أي : قافلة يمرون من قبل مدين إلى مصر ، فنزلوا بقرب البئر ، { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } أي : طالب مائهم ، ويقال : أرسل كل قوم ساقيهم ليستقي لهم الماء ، فجاء مالك بن ذعر إلى الجب ، الذي فيه يوسف ، { فأدلى دَلْوَهُ } يقول أرخى ، وأرسل دلوه في البئر ، فتعلق يوسف بالدلو ، فنظر مالك بن ذعر ، فإذا هو بغلام أحسن ما يكون من الغلمان .

{ قَالَ يَا بُشْرى هذا غُلاَمٌ } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : { ***يَا بُشْرَايَ } بالألف والياء ، ونصب الياء ، وقرأ عاصم : { يا بُشْرىً } بنصب الراء وسكون الياء ، وقرأ نافع ، في رواية ورش : بالألف والياء مع السكون { ***يَا بُشْرَايْ } ، وكذلك يقرأ في { رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ } و { ***مَحْيَايَ } و { هِىَ عَصَاىَ } ، بسكون بالياء . وقرأ حمزة ، والكسائي : { ***يَا بُشْرِي } بغير ألف ، وسكون الياء ، وكسر الراء .

فمن قرأ : { ***يا بشرَايَ } ، يكون بمعنى الإضافة إلى نفسه ، ومن قرأ : { يا بُشْرىً } يكون على معنى تنبيه المخاطبين ، كقوله يا عجبَا ، وإنما أراد به : اعجبوا ، ومن قرأ : { يا بُشْرىً } ، كأنه اسم رجل دعاه باسمه بشرى ، وقال أبو عبيدة : هذه القراءة تقرأ ، لأنها تجمع المعنيين ، إن أراد به الاسم ، أو أراد به البشرى بعينها .

وقال السدي : تعلق يوسف بالحبل ، فخرج فلما رآه صاحب الدلو ، نادى رجلاً من أصحابه ، يقال له البشرى ، وقال : يا بشراي ، هذا غلام . وقال قتادة وغيره : إنه بشر واردهم حين وجد يوسف .

ثم قال : { وَأَسَرُّوهُ بضاعة } يعني : التُّجار بعضهم من بعض ، وقال بعضهم لبعض : اكتموه من أصحابكم لكيلا يسألوكم فيه شركة ، فإن قالوا لكم ما هذا الغلام ؟ قولوا : استبضعنا بعض أهل الماء ، لنبيعه لهم بمصر ، فذلك قوله : { وَأَسَرُّوهُ بضاعة } يعني : أسروه ، وأعلنوه بضاعة ، فرجع إخوته بعد ثلاثة أيام ، فرأوا يوسف في أيديهم ، فقالوا : هذا غلام أبق منا منذ ثلاثة أيام ، فقيل لهم : ما بال هذا الغلام لا يشبه العبيد ، وإنما هو يشبهكم ؟ فقالوا : إنما وُلِدَ في حجرنا وإنه ابن وليدة أمنا ، أمرتنا ببيعه . وقالوا ليوسف بلسانهم : لئن أنكرت أنك عبد لنا ، أخذناك ونقتلك . أترى أنا نرجع بك إلى يعقوب أبداً ، وقد أخبرناه أن الذئب قد أكلك . فقال : يا إخوتاه ارجعوا بي إلى أبي ، ضامن لكم رضاه ، وأنا لا أذكر لكم هذا أبداً . فأبوا عليه فذلك قوله تعالى { والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } يعني : بما يصنع به إخوته .