معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (19)

وقوله : { يا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ } ،

( وَيَا بشراي ) ، بنصب الياء ، وهي لغة في بعض قيس . وهُذَيلٌ : يا بُشْرَىَّ . كل ألف أضافها المتكلم إلى نفسه جعلتها ياء مشدَّدة . أنشدني القاسم بن مَعْن :

تركوا هوَىّ وأعْنَقوا لهواهم *** ففقدتهم ولكل جَنْب مَصْرع

وقال لي بعض بنى سُلَيم : آتيك بمولَيَّ فإنه أروى منّى . قال : أنشدني المفضّل :

يطوِّف بي عِكَبّ في مَعَدّ *** ويطعُن بالصُمُلَّة في قَفَيَّا

فإن لم تَثْأَروا لي من عِكَبّ *** فلا أرويتما أبداً صَدَيَّا

ومن قرأ ( يا بُشْرَىْ ) ، بالسكون ، فهو كقولك : يا بُنَيْ لا تفعل ، يكون مفرداً في معنى الإضافة . والعرب تقول : يا نفسُ اصبري ويا نفسِ اصبري ، وهو يعنى نفسه في الوجهين ، و( يا بُشْرَاي ) ، في موضع نصب . ومن قال : يا بشرَىَّ ، فأضاف وغيّر الألِف إلى الياء ؛ فإنه طلبَ الكسرة التي تلزم ما قبل الياء من المتكلّم في كل حال ؛ ألا أنك تقول : هذا غلامِي فتحفظ الميم في كل جهات الإعراب ، فحطُّوها إذا أضيفت إلى المتكلّم ولم يحطُّوها عند غير الياء في قولك : هذا غلامك وغلامه ؛ لأن ( يا بُشْرَى ) من البشارة والإعراب يتبيّن عند كل مكنّى إلاّ عند الياء .

وقوله : { وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } ، ذلك أن الساقى الذي التقطه قال للذين كانوا معه : إن سَألكم أصْحابُكم عن هذا الغلام فقولوا : أَبضعَناه أهلُ الماء لنبيعه بمصر .