إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (19)

{ سَيَّارَةٌ } أي رفقةٌ تسير من جهة مدينَ إلى مصرَ وقوعُه باعتبار سيرِهم المعتادِ وهو الذي يقتضيه قوله تعالى فيما سلف : { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة } [ يوسف ، الآية 10 ] وقد قيل إنه كان في قفرة بعيدةٍ من العُمران لم تُمكن إلا للرعاة فأخطأوا الطريقَ فنزلوا قريباً منه ، وقيل : كان ماؤه مِلْحاً فعذُبَ حين ألقي فيه عليه السلام { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } الذي يرد الماءَ ويستقي لهم وكان ذلك مالك بنُ ذعر الخزاعيّ وإنما لم يُذكر منتهى الإرسالِ كما لم يذكر منتهى المجيءِ أعني الجب للإيذان بأن ذلك معهودٌ لا يُضرب عنه الذكرُ صفحاً { فأدلى دَلْوَهُ } أي أرسلها إلى الجب والحذفُ لما عرفتَه فتدلى بها يوسف فخرج .

{ قَالَ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال يقتضيه الحال { يا بشرى هذا غُلاَمٌ } كأنه نادى البُشرى وقال : تعالَيْ ، فهذا أوانُك حيث فاز بنعمة باردةٍ وأيِّ نعمةٍ مكانَ ما يوجد مباحاً من الماء . وقيل : هو اسمُ صاحبٍ له ناداه ليُعينَه على إخراجه ، وقرأ غيرُ الكوفيين يا بشرايَ وأمال فتحةَ الراءِ حمزةُ والكِسائيُّ وقرأ ورشٌ بين اللفظين يا بُشْرَيَّ بالإدغام وهي لغة ، وبشرايْ على قصد الوقف { وَأَسَرُّوهُ } أي أخفاه الواردُ وأصحابُه عن بقية الرفقة ، وقيل : أخفَوا أمرَه ووجدانَهم له في الجب وقالوا لهم : دفعَه إلينا أهلُ الماء لنبيعه لهم بمصرَ ، وقيل : الضميرُ لإخوة يوسفَ وذلك أن يهوذا كان يأتيه كلَّ يوم بطعام فأتاه يومئذ فلم يجدْه فيها فأخبر إخوتَه فأتَوا الرفقةَ وقالوا : هذا غلامُنا أبَقَ{[437]} منا فاشترَوه منهم وسكت يوسفُ مخافةَ أن يقتُلوه ولا يخفى ما فيه من البعد { بضاعة } نُصب على الحالية أي أخفَوه حالَ كونِه بضاعةً أي متاعاً للتجارة فإنها قطعةٌ من المال بُضعت عنه أي قطعت للتجارة { والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } وعيدٌ لهم على ما صنعوا من جعلهم مثلَ يوسفَ وهو هو عرضةً للابتذال بالبيع والشراءِ وما دبروا في ذلك من الحيل .


[437]:أبق: هرب فهو آبق.