قوله تعالى : { ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات } باسطات أجنحتهن بالهواء . قيل خص الطير بالذكر من جملة الحيوان لأنها تكون بين السماء والأرض فتكون خارجة عن حكم من في السماء والأرض ، { كل قد علم صلاته وتسبيحه } قال مجاهد : الصلاة لبني آدم ، والتسبيح لسائر الخلق . وقيل : إن ضرب الأجنحة صلاة الطير وصوته تسبيحه . قوله : { كل قد علم } أي : كل مصل ومسبح علم الله صلاته وتسبيحه . وقيل : معناه كل مصل ومسبح منهم قد علم صلاته نفسه وتسبيحه . { والله عليم بما يفعلون* ولله ملك السموات والأرض وإلى الله المصير* }
ذلك مشهد الكفر والضلال والظلام في عالم الناس ، يتبعه مشهد الإيمان والهدى والنور في الكون الفسيح . مشهد يتمثل فيه الوجود كله ، بمن فيه وما فيه ، شاخصا يسبح لله : إنسه وجنه ، أملاكه وأفلاكه ، أحياؤه وجماده . . وإذا الوجود كله تتجاوب بالتسبيح أرجاؤه ، في مشهد يرتعش له الوجدان حين يتملاه :
( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض ، والطير صافات . كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ) . .
إن الإنسان ليس مفردا في هذا الكون الفسيح ؛ فإن من حوله ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته ؛ وحيثما امتد به النظر أو طاف به الخيال . . إخوان له من خلق الله ، لهم طبائع شتى ، وصور شتى ، وأشكال شتى . ولكنهم بعد ذلك كله يلتقون في الله ، ويتوجهون إليه ، ويسبحون بحمده : ( والله عليم بما يفعلون ) . .
والقرآن يوجه الإنسان إلى النظر فيما حوله من صنع الله ، وإلى من حوله من خلق الله في السماوات والأرض ، وهم يسبحون بحمده وتقواه ؛ ويوجه بصره وقلبه خاصة إلى مشهد في كل يوم يراه ، فلا يثير انتباهه ولا يحرك قلبه لطول ما يراه . ذلك مشهد الطير صافات أرجلها وهي طائرة في الفضاء تسبح بحمد الله : ( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) . . والإنسان وحده هو الذي يغفل عن تسبيح ربه ؛ وهو أجدر خلق الله بالإيمان والتسبيح والصلاة .
وإن الكون ليبدو في هذا المشهد الخاشع متجها كله إلى خالقه ، مسبحا بحمده ، قائما بصلاته ؛ وإنه لكذلك في فطرته ، وفي طاعته لمشيئة خالقه الممثلة في نواميسه . وإن الإنسان ليدرك - حين يشف - هذا المشهد ممثلا في حسه كأنه يراه ؛ وإنه ليسمع دقات هذا الكون وإيقاعاته تسابيح لله . وإنه ليشارك كل كائن في هذا الوجود صلاته ونجواه . . كذلك كان محمد بن عبد الله - صلاة الله وسلامه عليه - إذا مشى سمع تسبيح الحصى تحت قدميه . وكذلك كان داود - عليه السلام - يرتل مزاميره فتؤوب الجبال معه والطير
{ ألم تر } ألم تعلم علما يشبه المشاهدة في اليقين والوثاقة بالوحي أو الاستدلال . { أن الله يسبح له من في السماوات والأرض } ينزه ذاته عن كل نقص وآفة أهل السماوات والأرض ، و { من } لتغليب العقلاء أو الملائكة والثقلان بما يدل عليه من مقال أو دلالة حال . { والطير } على الأول تخصيص لما فيها من الصنع الظاهر والدليل الباهر ولذلك قيدها بقوله : { صافات } فإن إعطاء الجرام الثقيلة ما به تقوى على الوقوف في الجو باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط حجة قاطعة على كمال قدرة الصانع تعالى ولطف تدبيره . { كل } كل واحد مما ذكر أو من الطير . { قد علم صلاته وتسبيحه } أي قد علم الله دعاءه وتنزيهه اختيارا أو طبعا لقوله : { والله عليم بما يفعلون } أو علم كل على تشبيه حاله في الدلالة على الحق والميل إلى النفع على وجه يخصه بحال من علم ذلك مع أنه لا يبعد أن يلهم الله تعالى الطير دعاء وتسبيحا كما ألهمها علوما دقيقة في أسباب تعيشها لا تكاد تهتدي إليها العقلاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.