{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؟ } قد تقدم تفسير مثل هذه الآية في تفسير سورة سبحان ، والخطاب لكل من له أهلية النظر ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد علمه من جهة الاستدلال ، ومعنى { ألم تر } ألم تعلم ؟ والهمزة للتقرير ، أي قد علمت علما يقينا ، شبيها بالمشاهدة ، والوثاقة بالوحي ، وظاهره أنه استعارة ، ومقتضى كلام النحويين أن رأى العلمية حقيقة ، قاله الشهاب والتسبيح التنزيه في ذاته ، وأفعاله ، وصفاته ، عن كل ما لا يليق به .
ومعنى { مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } من هو مستقر فيهما من العقلاء وغيرهم ، وتسبيح غير العقلاء ما يسمع من أصواتها ، ويشاهد من أثر الصنعة البديعة فيها ، وقيل إن التسبيح هنا هو الصلاة من العقلاء ، والتنزيه من غيرهم ، وقد قيل إن هذه الآية تشكل الحيوانات ، والجمادات ، وأن آثار الصنعة البديعة الإلهية في الجمادات ناطقة ، ومخبرة باتصافه سبحانه ، بصفات الجلال ، والكمال وتنزهه عن سمات النقص والزوال . وفي ذلك تقريع للكفار وتوبيخ لهم حيث جعلوا الجمادات التي من شأنها التسبيح لله سبحانه شركاء له يعبدونها ، كعبادته عز وجل ، وبالجملة فإنه ينبغي حمل التسبيح على ما يليق ، بكل نوع من أنواع المخلوقات ، على طريقة عموم المجاز .
{ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ } أي باسطات أجنحتها في الهواء ، وخص الطير بالذكر مع دخولها تحت من في السماوات والأرض ، لعدم استمرار استقرارها في الأرض ، وكثرة لبثها في الهواء ، وهو ليس من السماء ، ولا من الأرض ، ولما فيها من الصنعة البديعة ، التي يقدر بها تارة على الطيران ، وتارة على المشي ، بخلاف غيرها من الحيوانات . وذكر حالة من حالات الطير ، وهي كون صدور التسبيح منها ، حال كونها صافات لأجنحتها ، لأن هذه الحالة هي أغرب أحوالها ، فإن استقرارها في الهواء مسبحة ، من دون تحريك لأجنحتها ، ولا استقرار على الأرض من أعظم صنع الله الذي أتقن كل شيء ، ثم زاد في البيان فقال :
{ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } أي كل واحد من هذه المسبحات لله ، قد علم صلاة المصلي ، وتسبيح المسبح . وقيل إن المعنى أن كل مصل ، ومسبح ؛ قد علم صلاة نفسه ، وتسبيح نفسه . قال السمين : وهذا أولى لتوافق الضمائر . قيل والصلاة هنا بمعنى التسبيح ، وكرر للتأكيد ، والصلاة قد تسمى تسبيحا . وقيل المراد بها هنا الدعاء ، أي علم دعاءه .
وفائدة الإخبار بأن كل واحد قد علم ذلك أن صدور هذا التسبيح هو عن علم قد علّمها الله ذلك ؛ وألهمها إليه لا أن صدوره منها على طريقة الاتفاق بلا روية ، وفي ذلك زيادة دلالة على بديع صنع الله سبحانه ؛ وعظم شأنه من كونه جعلها مسبحة له ، عالمة بما يصدر منها ، غير جاهلة له وقال السدي : الصلاة للإنسان ، والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه ، وقيل إن ضرب أجنحة الطير صلاته ، وصوته تسبيحه ، أو المعنى كل واحد من هذه المسبحة ، قد علم الله صلاته له ؛ وتسبيحه إياه ، والأول أرجح ، لاتفاق القراء على رفع { كل } ولو كان الضمير لله لكان نصب كل أولى ، وقيل المعنى علم كل صلاة الله وتسبيحه ؛ أي اللذين أمر بهما وبأن يفعلا ، كإضافة الخلق إلى الخالق ، والأول أولى . وقرئ علم على البناء للمفعول .
{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } مقررة لما قبلها ، أي لا يخفى عليه طاعتهم ، ولا تسبيحهم ، ولا يعزب عن علمه شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.