معاني القرآن للفراء - الفراء  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ} (41)

وقوله : { وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ 41 } وتسبيحَهُ ترفع كلاًّ بما عاد إليه من ذكره وهي الهاء في ( صلاته وتسبيحه ) وإن شئت جعلت العلم لكل ، أي كل قد عاد صلاته وتسبيحه فإن شئت جعِلت الهاء صلاةَ نفسه وتسبيحَها . وإن شئت : تسبيح الله وَصلاته التي نُصلّيها له وتسبيحها ، وفي القول الأوّل : كلّ قد علم الله صَلاته وتَسْبِيحَهُ ، ولو أتتْ كُلاًّ قَد علِم بالنصب على قولك : علم الله صَلاة كلٍّ وتسبيحه فتنصب لوقوع الفعل على راجع ذكرهم ، أنشدني بعض العرب :

كُلاًَ قَرَعنا في الحروب صَفَاتَه *** ففررتم وأطلتم الخِذلانا

ولا يجوز أن تقول : زيداً ضربتَهُ . وإنما جاز في كلّ لأنها لا تأتى إلاّ وقبلَها كلام ، كأنها مُتَّصِلَةٌ به ؛ كما تقول : مررت بالقوم كلّهم وَرَأيت القومَ كلاّ يقولُ ذلكَ ، فلما كانت نعتاً مستقصىً به كانت مَسْبُوقةً بأسمائها وليسَ ذلك لزيدٍ ولا لعبدِ الله ونحوهما ؛ لأنها أسْماء مبتدآتٌ .

وقد قال بعض النحَويين : زيداً ضربته ، فنصَبَهُ بالفعلِ كما تنصبه إذا كان قبلَهُ كلامٌ . ولا يجوز ذلكَ إلا أن تنوى التكرير ، كأنه نوى أن يوقع ب : يقع الضربَ على زيد قبل : أن يقع على الهاء ، فلما تأخّر الفعل أدخل الهاء على التكرِير ، ومثله مّما يُوضحه .

قولك : بزيدٍ مََرَرْت به . ويدخل على مَنْ قال زيدا ضَربتُهُ على كلمة أن يقول : زيداً مَرَرْتُ به وليس ذلك بشيء لأنه ليس قبله شيء يكون طَرَفاً للفعل .