البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ} (41)

لما ذكر تعالى مثل المؤمن والكافر وأن الإيمان والضلال أمرهما راجع إليه أعقب بذكر الدلائل على قدرته وتوحيده ، والظاهر حمل التسبيح على حقيقته وتخصيص { من } في قوله ومن في الأرض بالمطيع لله تعالى من الثقلين .

وقيل : { من } عام لكل موجود غلب من يعقل على ما لا يعقل ، فأدرج ما لا يعقل فيه ويكون المراد بالتسبيح دلالته بهده الأشياء على كونه تعالى منزهاً عن النقائص موصوفاً بنعوت الكمال .

وقيل : المراد بالتسبيح التعظيم فمن ذي الدين بالنطق والصلاة ومن غيرهم من مكلف وجماد بالدلالة ، فيكون ذلك قدراً مشتركاً بينهما وهو التعظيم .

وقال سفيان : تسبيح كل شيء بطاعته وانقياده .

{ والطير صافات } أي صفت أجنحتها في الهواء للطيران ، وإنما خص الطير بالذكر لأنها تكون بين السماء والأرض إذا طارت فهي خارجة من جملة { من في السموات والأرض } حالة طيرانها .

وقرأ الجمهور { والطيرُ } مرفوعاً عطفاً على { من } و { وصافات } نصب على الحال .

وقرأ الأعرج { والطير } بالنصب على أنه مفعول معه .

وقرأ الحسن وخارجة عن نافع { والطيرُ صافاتٌ } برفعهما مبتدأ وخبر تقديره يسبحن .

قيل : وتسبيح الطير حقيقي قاله الجمهور .

قال الزمخشري : ولا يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها .

وقال الحسن وغيره : هو تجوّز إنما تسبيحه ظهور الحكمة فيه فهو لذلك يدعو إلى التسبيح .

{ كل } أي كل ممن ذكر ، فيشمل الطير والظاهر أن الفاعل المستكن في { علم } وفي { صلاته وتسبيحه } عائد على { كل } وقاله الحسن قال : فهو مثابر عليهما يؤديهما .

وقال الزجاج : الضمير في { علم } وفي { صلاته وتسبيحه } لكل .

وقيل : الضمير في { علم } لكل وفي { صلاته وتسبيحه } لله أي صلاة الله وتسبيحه اللذين أمر بهما وهدى إليهما ، فهذه إضافة خلق إلى خالق .

وقال مجاهد : الصلاة للبشر والتسبيح لما عداهم .

وقرأ الحسن وعيسى وسلام وهارون عن أبي عمر وتفعلون بتاء الخطاب ، وفيه وعيد وتخويف .