تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ} (41)

الآية 41 : وقوله تعالى : ]ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض[ قوله : ]ألم تر[ ألم تعلم ونحوه حرف تعجب واستفهام . يقول الرجل : لآخر ألم تر كذا ؟ و : ألم تعلم كذا ؟ على التعجيب أو على الاستفهام . لكنه يخرج من الله على وجهين : أحدهما أي قد رأيت ، وعلمت ؛ إذ الاستفهام لا يجوز عنه .

والثاني : على الأمر : أي أعلم ، ور{[14110]} على ما ذكرنا في غير موضع .

وقوله تعالى : ]يسبح له من في السموات والأرض[ يحتمل ]يسبح له من[ ذكر على وجهين : أحدهما يسبح خلقه وصنعه ؛ إذ في خلقة أحد دلالة وحدانيته وتعاليه عن الأشباه وتنزيهه ، والشهادة له بالربوبية والتفرد بالألوهية له .

والثاني{[14111]} : يجعل الله تعال في هذه الخلائق من الطيور والدواب وغيرها معنى ؛ يسبحون له بذلك ، يفهمون هم ذلك ، من أنفسهم ويعرفون أنه تسبيح ، وإن لم يفهم غيرهم من الخلائق ، نحو ما ذكر من تسبيح الجبال والطير في قصة سليمان في قوله : ]يا جبال أوي معه والطير[ ( سبإ : 10 ) وقوله{[14112]} في آية أخرى : ]إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق[ [ والطير محشورة كل له أواب ] ( ص : 18 و 19 ) .

ولو كان التسبيح ممن ذكر تسبيح خلقه لكان سليمان وغيره في ذلك شرعا سواء ، والعشي وغيره من الأوقات سواء .

فدل تخصيص سليمان في ذلك وتخصيص الأوقات من بين غيرها{[14113]} على أن تسبيح هذه الأشياء ليس تسبيح خلقه ، ولكنه تسبيح عبادة بالمعنى الذي جعله له فيه ، وإن لم يفهم غيره{[14114]} من الخلائق تسبيحها{[14115]} .

ألا ترى أن الله تعالى أخبر عن النملة حين{[14116]} قال ]قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم[ الآية ( النمل : 18 ) .

ثم معلوم أنه لم تكن حقيقة قوله كقول المميز والممتحن ، ولكنه معنى فهموه منها ذلك ( الفهم ){[14117]} فعلى ذلك الأول .

ألا ترى أنه أخبر عن نطق الجوارح وشهادتها عليه يومئذ حين{[14118]} قال : ]يوم تشهد عليهم[ الآية ( النور : 24 ) ( وقال : ]وشهد عليهم سمعهم[ ؟ ( فصلت : 20 ) ){[14119]} ففهم هؤلاء من شهادة الجوارح عليهم ما لم يفهم غيرهم{[14120]} حتى أنكروا عليها .

دل ذلك أنه ما ذكرنا . وذلك جائز أن يكون لمعنى فيهم فهموا هم ، ولا يفهم غيرهم .

ألا ترى أن الله جعل في سرية الماء معنى يحيا به كل شيء ، إذا أصابه ، ووصل إليه ؟ وذلك المعنى لا يعلمه إلا الله أو من أطلعه الله عليه ، وارتضاه لنفسه رسولا .

فعلى ذلك تسبيح من في السموات والأرض والطير . وغيرهم{[14121]} جعل في سريتهم معنى ، يعرفونه{[14122]} هم من أنفسهم ذلك تسبيحا له وتنزيها ، وإن لم يفهم غيرهم{[14123]} ، والله أعلم ، كقوله : ]وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم[ ( الإسراء : 44 ) .

وقوله تعالى : ]يسبح له من في السموات والأرض[ حرف ]من[ إنما يعبر به عن المميز{[14124]} ، وحرف : ما يعبر به ( عن غير ){[14125]} المميز .

وقوله تعالى : ]كل قد علم صلاته وتسبيحه[ قال بعضهم : كل من فيها ، قد علم صلاته وتسبيحه من الملائكة وغيرهم{[14126]} بلغته ولسانه فير كفار الإنس والجن .

وجائز أن يكون قوله : ]كل قد علم صلاته وتسبيحه[ ما ذكرنا أن كلا منهم يعرف ، ويفهم أنه يسبح له ، وإن لم يفهم غيره ؛ كأنه يذكر سلطانه وملكه وغناه من عباده هؤلاء ( وتسبيحهم ، وأن ){[14127]} من يسبح له كل شيء في السموات والأرض ، وترك{[14128]} عبادة هؤلاء له وعبادته بمحل واحد ، لا ينفع ، ولا يضر .

أو أن يقول : من له ملك السموات والأرض لا تقع له/371- أ/ الحاجة إلى عبادة أحد ولا طاعة ( أحد ){[14129]} ، وإنما الحاجة والمنفعة في الطاعة والعبادة لهم دون الله . ولذلك قال : ]ولله ملك السموات والأرض ] ( النور : 42 ) على ( إثر ){[14130]} ذلك .

وقوله تعالى : ]والله عليم بما يفعلون ] جائز أن يكون هذا على الأول ، أي عليم بما يفعل من ذكر من التسبيح وغيره ، أو أن يكون على ابتداء وعيد للخلق ، أي عليم بجميع ما يفعلون .


[14110]:في الأصل وم: وارأ.
[14111]:من م، في الأصل: والشهادة.
[14112]:في الأصل وم: وقال.
[14113]:في الأصل وم: غيرهم.
[14114]:من م، في الأصل: غير.
[14115]:في الأصل وم: تسبيحهم.
[14116]:في الأصل وم: حيث.
[14117]:ساقطة من الأصل وم.
[14118]:في الأصل وم: حيث.
[14119]:من م، ساقطة من الأصل.
[14120]:في الأصل وم: غيرها.
[14121]:في الأصل وم :غيره.
[14122]:في الأصل وم: يعرفون.
[14123]:في الأصل وم: غيره.
[14124]:في الأصل وم: التمييز.
[14125]:في م: عن، ساقطة من الأصل.
[14126]:في الأصل وم: غيره.
[14127]:في الأصل وم: والتسبيح أن.
[14128]:في الأصل وم: فترك.
[14129]:ساقطة من الأصل وم.
[14130]:من م، ساقطة من الأصل.