ويختم الأوامر والنواهي كما بدأها بربطها بالله وعقيدة التوحيد والتحذير من الشرك . وبيان أنها بعض الحكمة التي يهدي إليها القرآن الذي أوحاه الله إلى الرسول :
( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ) .
وهو ختام يشبه الابتداء . فتجيء محبوكة الطرفين ، موصولة بالقاعدة الكبرى التي يقيم عليها الإسلام بناء الحياة ، قاعدة توحيد الله وعبادته دون سواه . .
يقول تعالى : هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الجميلة ، ونهيناك عنه من الصفات الرذيلة ، مما أوحينا إليك يا محمد لتأمر به الناس .
{ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا } أي : تلومك نفسك [ ويلومك الله ]{[17514]} والخلق . { مَدْحُورًا } . قال ابن عباس وقتادة : مطرودًا .
والمراد من هذا الخطاب الأمة بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه صلوات الله وسلامه عليه معصوم .
القول في تأويل قوله تعالى { ذَلِكَ مِمّآ أَوْحَىَ إِلَيْكَ رَبّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلََهاً آخَرَ فَتُلْقَىَ فِي جَهَنّمَ مَلُوماً مّدْحُوراً } .
يقول تعالى ذكره : هذا الذي بيّنا لك يا محمد من الأخلاق الجميلة التي أمرناك بجميلها ، ونهيناك عن قبيحها مِمّا أوْحَى إلَيْكَ رَبّكَ مِنَ الحِكْمَةِ يقول : من الحكمة التي أوحيناها إليك في كتابنا هذا ، كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ذلكَ مِمّا أوْحَى إلَيْكَ رَبّكَ مِنَ الحِكْمَةِ قال : القرآن .
وقد بيّنا معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إلها آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنّمَ مَلُوما مَدْحُورا يقول : ولا تجعل مع الله شريكا في عبادتك ، فتُلقى في جهنم ملوما تلومك نفسك وعارفوك من الناس مَدْحُورا يقول : مُبْعَدا مقصيا في النار ، ولكن أخلص العبادة لله الواحد القهّار ، فتنجوَ من عذابه . وبنحو الذي قلنا في قوله مَلُوما مَدْحُورا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : مَلُوما مَدْحُورا يقول : مطرودا .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة مَلُوما مَدْحُورا قال : ملوما في عبادة الله ، مدحورا في النار .
{ ذلك } إشارة إلى الأحكام المتقدمة . { مما أوحى إليك ربك من الحكمة } التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به . { ولا تجعل مع الله إلها آخر } كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه ، فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد يفعله أو تركه غيره ضاع سعيه ، وأنه رأس الحكمة وملاكها ، ورتب عليه أولا ما هو عائده الشرك في الدنيا وثانيا ما هو نتيجته في العقبى فقال تعالى : { فتُلقى في جهنم ملوماً } تلوم نفسك . { مدحورا } مبعدا من رحمة الله تعالى .
قوله { ذلك مما أوحى إليك ربك } الآية . الإشارة ب { ذلك } إلى هذه الآداب التي تضمنتها هذه الآيات المتقدمة أي هذه من الأفعال المحكمة التي تقتضيها حكمة الله في عباده وخلقه لهم محاسن الأخلاق ، و { الحكمة } قوانين المعاني المحكمة والأفعال الفاضلة ، ثم عطف قوله { ولا تجعل } على ما تقدم من النواهي ، والخطاب للنبي عليه السلام ، والمراد كل من سمع الآية من البشر ، و «المدحور » ، المهان المبعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.