لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا} (39)

قوله سبحانه وتعالى : { ذلك } إشارة إلى ما تقدم من الأوامر والنواهي في هذه الآيات { مما أوحى إليك ربك من الحكمة } أي إن الأحكام المذكورة في هذه الآيات شرائع واجبة الرعاية في جميع الأديان والملل لا تقبل النسخ والإبطال فكانت محكمة وحكمة بهذا الاعتبار . وقيل : إن حاصل هذه الآيات يرجع إلى الأمر بالتوحيد وأنواع البر والطاعات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة وذلك من الحكمة . قيل : إن هذه الآيات كانت في ألواح موسى عليه السلام أولها : ولا تجعل مع الله إلهاً آخر . قال الله سبحانه وتعالى وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة ، واعلم أن الله سبحانه وتعالى : افتتح هذه الآيات بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك وختمها به ، والمقصود منه التنبيه على أن كل قول وعمل يجب أن يكرر في التوحيد لأنه رأس كل حكمة ، وملاكها ومن عدمه لم ينفعه شيء ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر في الآية الأولى أن الشرك يجب أن يكون صاحبه مذموماً مخذولاً وقال في هذه الآية { ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً } والفرق بين المذموم والملوم أما كونه مذموماً فمعناه ، أن يذكر له أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح ومنكر فهذا معنى كونه مذموماً ثم يقال له : لم فعلت هذا الفعل القبيح وما الذي حملك عليه ، وهذا هو اللوم والفرق بين المخذول والمدحور أن المخذول هو الضعيف الذي لا ناصر له ، والمدحور هو المبعد المطرود عن كل خير .