فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا} (39)

{ ذلك مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحكمة } الإشارة إلى ما تقدّم ذكره من قوله : { لا تَجْعَل } إلى هذه الغاية ، وترتقي إلى خمسة وعشرين تكليفاً ، { مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ } أي : من جنسه أو بعض منه ، وسمي حكمة لأنه كلام محكم ، وهو ما علمه من الشرائع ، أو من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها الفساد ، وعند الحكماء : أن الحكمة عبارة عن معرفة الحق لذاته ، و{ من الحكمة } متعلق بمحذوف وقع حالاً ، أي : كائناً من الحكمة ، أو بدل من الموصول بإعادة الجار ، أو متعلق ب{ أوحى } . { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ } كرر سبحانه النهي عن الشرك تأكيداً وتقريراً وتنبيهاً عن أنه رأس خصال الدين وعمدته . قيل : وقد راعى سبحانه في هذا التأكيد دقيقة ، فرتب على الأوّل كونه مذموماً مخذولاً ، وذلك إشارة إلى حال الشرك في الدنيا ، ورتب على الثاني أنه يلقى { فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا } وذلك إشارة إلى حاله في الآخرة ، وفي القعود هناك ، والإلقاء هنا إشارة إلى أن للإنسان في الدنيا صورة اختيار بخلاف الآخرة ، وقد تقدّم تفسير الملوم والمدحور .

/خ41