تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا} (39)

الآية39 : وقوله تعالى : { ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة } أي ذلك الذي أمر الله به ، ونهى عنه في هؤلاء الآيات من الحكمة ، ليس من السفه ، أي ما أمر فيها هو حكمة ، وما نهى عنه .

وقال بعضهم : الحكمة ههنا القرآن لقوله{[10891]} : { ذلك } أي ذلك الذي أوحى إليك ، هو الحكمة . وقال بعضهم : الحكمة الإصابة ، أي ذلك الذي { أوحى إليك ربك من الحكمة } صواب ، وقوله : { ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة } أي ما ذكر في هذه الآيات ، وأمر به ، ونهى عنه ، من الحكمة ، والحكمة هي وضع الشيء موضعه ؛ يقول : حكمه وضع كل شيء موضعه ، لا وضع الشيء غير موضعه .

وقوله تعالى : { ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا } معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجعل مع الله إلها آخر ، إذ عصمه ، واختار لرسالته ، لكنه ذكر ذلك ليعلم أنه لو كان منه ذلك لفُعِلَ{[10892]} به ما ذكر . فمن هو دونه أحق أن يفعل به ما ذكر وهو ما قال في الملائكة : { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم }الآية( الأنبياء : 29 )إنه عصمهم حتى أخبر أنهم{ لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون }( الأنبياء : 27 )فمن لم يكن معصوما ما لم يوصف أنه لا يسبق بالقول . فعلى ذلك قوله : { ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى ملوما }عند الله أو عند نفسك أو عند الخلق{ مدحورا } مبعدا مطرودا من رحمته في النار . أو خاطب به رسوله ، وأراد به غيره على ما ذكرنا في غير موضع ، والله أعلم .


[10891]:في الأصل و.م: قوله.
[10892]:في الأصل و.م: فيفعل.