فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا} (39)

{ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ( 39 ) }

{ ذَلِكَ } إشارة إلى ما تقدم ذكره من قوله لا تجعل مع الله إلى هذه الغاية { مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ } أي من جنسه أو بعض منه ، وذكر هنا في ثمان عشرة آية أولها لا تجعل ، وذكر في التوراة في عشر آيات { مِنَ الْحِكْمَةِ } سمي حكمة لأنه كلام محكم وهو ما علمه من الشرائع أو من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخ والفساد ، وعند الحكماء أن الحكمة عبارة عن معرفة الحق لذاته والخير للعمل به ، قال البيضاوي فالتوحيد من القسم الأول وباقي التكاليف من القسم الثاني .

{ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ } كرر سبحانه النهي عن الشرك تأكيدا وتقريرا وتنبيها على أنه رأس خصال الدين وعمدته ومبدأ الأمر ومنتهاه ، وعلى أنه ملاك الحكمة وأسها . قيل وقد راعى سبحانه في هذا التأكيد دقيقة فرتب على الأول كونه مذموما مخذولا ، وذلك إشارة إلى حال الشرك في الدنيا ؛ ورتب على الثاني ما هو نتيجة في العقبى فقال : { فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا } تلوم نفسك { مَّدْحُورًا } مبعدا من رحمة الله مطرودا وفي القعود هناك والإلقاء هنا إشارة إلى أن للإنسان في الدنيا صورة اختيار بخلاف الآخرة .