معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (21)

قوله تعالى : { وكيف تأخذونه } . على طريق الاستعظام .

قوله تعالى : { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } . أراد به المجامعة ولكن الله حيي يكني ، وأصل الإفضاء الوصول إلى الشيء من غير واسطة .

قوله تعالى : { وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً } . قال الحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة : وهو قول الولي عند العقد : زوجتكها على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان . وقال الشعبي وعكرمة : هو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله تعالى ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى ) .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (21)

ومن ثم لمسة وجدانية عميقة ، وظل من ظلال الحياة الزوجية وريف ، في تعبير موح عجيب :

( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، وأخذن منكم ميثاقا غليظا ؟ ) . .

ويدع الفعل : " أفضى " بلا مفعول محدد . يدع اللفظ مطلقا ، يشع كل معانيه ، ويلقي كل ظلاله ، ويسكب كل إيحاءاته . ولا يقف عند حدود الجسد وإفضاءاته . بل يشمل العواطف والمشاعر ، والوجدانات والتصورات ، والأسرار والهموم ، والتجاوب في كل صورة من صور التجاوب . يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك الحياة المشتركة إناء الليل وأطراف النهار ، وعشرات الذكريات لتلك المؤسسة التي ضمتهما فترة من الزمان . . وفي كل اختلاجة حب إفضاء . وفي كل نظرة ود إفضاء . وفي كل لمسة جسم إفضاء ، وفي كل اشتراك في ألم أو أمل إفضاء . وفي كل تفكر في حاضر أو مستقبل إفضاء . وفي كل شوق إلى خلف إفضاء . وفي كل التقاء في وليد إفضاء . .

كل هذا الحشد من التصورات والظلال والانداء والمشاعر والعواطف يرسمه ذلك التعبير الموحي العجيب : ( وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) . . فيتضاءل إلى جواره ذلك المعنى المادي الصغير ، ويخجل الرجل أن يطلب بعض ما دفع ، وهو يستعرض في خياله وفي وجدانه ذلك الحشد من صور الماضي ، وذكريات العشرة في لحظة الفراق الأسيف !

ثم يضم إلى ذلك الحشد من الصور والذكريات والمشاعر عاملا آخر ، من لون آخر :

( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) . .

هو ميثاق النكاح ، باسم الله ، وعلى سنة الله . . وهو ميثاق غليظ لا يستهين بحرمته قلب مؤمن ؛ وهو يخاطب الذين آمنوا ، ويدعوهم بهذه الصفة أن يحترموا هذا الميثاق الغليظ .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (21)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىَ بَعْضُكُمْ إِلَىَ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَاقاً غَلِيظاً } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ } : وعلى أيّ وجه تأخذون من نسائكم ما آتيتموهنّ من صدقاتهنّ إذا أردتم طلاقهنّ واستبدال غيرهنّ بهنّ أزواجا ، وقد أفضى بعضكم إلى بعضكم فتباشرتم وتلامستم . وهذا كلام وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام فإنه في معنى النكير والتغليظ ، كما يقول الرجل لاَخر : كيف تفعل كذا وكذا وأنا غير راض به ؟ على معنى التهديد والوعيد . وأما الإفضاء إلى الشيء فإنه الوصول إليه بالمباشرة له ، كما قال الشاعر :

بِلىً . . . أفْضَى إلى كُتْبِةٍ ***بَدَا سيرُها مِنْ باطِنٍ بَعْدَ ظاهِر

يعني بذلك : أن الفساد والبلى وصل إلى الخُرَز . والذي عُني به الإفضاء في هذا الموضع : الجماع في الفرج .

فتأويل الكلام إذ كان ذلك معناه : وكيف تأخذون ما آتيتموهنّ وقد أفضى بعضكم إلى بعض بالجماع ؟ .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عبد الحميد بن بيان القناد ، قال : حدثنا إسحاق ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن بكر بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : الإفضاء : المباشرة ، ولكن الله كريم يكني عما يشاء .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن بكر ، عن ابن عباس قال : الإفضاء : الجماع ، ولكن اللّهِ يكني .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عاصم بن بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عباس ، قال : الإفضاء : هو الجماع .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَقَدْ أفْضَى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ } قال : مجامعة النساء .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أفْضَى بَعْضُكمْ إلى بَعْضٍ } يعني : المجامعة .

القول في تأويل قوله تعالى : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } .

أما ما وثقت به لهنّ على أنفسكم من عهد ، وإقرار منكم بما أقررتم به على أنفسكم ، من إمساكهنّ بمعروف ، أو تسريحهنّ بإحسان ، وكان في عقد المسلمين النكاح قديما ، فيما بلغنا أن يقال للناكح : آلله عليك لتمسكنّ بمعروف أو لتسرحنّ بإحسان .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } والميثاق الغليظ الذي أخذه للنساء على الرجال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . وقد كان في عهد المسلمين عند إنكاحهم : آللّهِ عليك لتمسكنّ بمعروف أو لتسرحنّ بإحسان .

واختلف أهل التأويل في الميثاق الذي عنى الله جلّ ثناؤه بقوله : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } . فقال بعضهم : هو إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قال : إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : { وأخَذْن مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قال : هو ما أخذ الله تبارك وتعالى للنساء على الرجال ، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . قال : وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما { وأخَذْنَ مِنْكُمْ ميثاقا غَلِيظا } فهو أن ينكح المرأة فيقول وليها : أنكحناكها بأمانة الله ، على أن تمسكها بالمعروف أو تسرّحها بإحسان .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قال : الميثاق الغليظ الذي أخذه الله للنساء : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وكان في عقدة المسلمين عند نكاحهنّ : ايم الله عليك لتمسكنّ بمعروف ، ولتسرحنّ بإحسان .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا أبو قتيبة ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن الحسن ، ومحمد بن سيرين في قوله : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قال : إمساك بمعروف . أو تسريح بإحسان .

وقال آخرون : هو كلمة النكاح التي استحلّ بها الفرج . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قال : كلمة النكاح التي استحلّ بها فروجهنّ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم المكي ، عن مجاهد في قوله : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قال : قوله نكحت .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن محمد بن كعب القرضي : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قال : هو قولهم : قد ملكت النكاح .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن سالم الأفطس ، عن مجاهد : { وَأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قال : كلمة النكاح .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ققال ابن زيد في قوله : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قال : الميثاق : النكاح .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني سالم الأفطس ، عن مجاهد : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قال : كلمة النكاح قوله نكحت .

وقال آخرون : بل عنى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أخَذْتُمُوهُنّ بأمانَةِ اللّهِ ، واسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَةِ اللّهِ » . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر وعكرمة : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } قالا : أخذتموهنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } والميثاق الغليظ : أخذتموهنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك قول من قال : الميثاق الذي عني به في هذه الاَية ، هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عقدة النكاح ، من عهد على إمساكها بمعروف ، أو تسريحها بإحسان ، فأقرّ به الرجل ، لأن الله جلّ ثناؤه بذلك أوصى الرجال في نساءهم وقد بينا معنى الميثاق فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

واختلف في حكم هذه الاَية ، أمحكم أم منسوخ ؟ فقال بعضهم : محكم ، وغير جائز للرجل أخذ شيء مما آتاها إذا أراد طلاقها ، إلا أن تكون هي المريدة الطلاق .

وقال آخرون : هي محكمة ، غير جائز له أخذ شيء مما آتاها منها بحال ، كانت هي المريدة للطلاق أو هو . وممن حكي عنه هذا القول بكر بن عبد الله بن المزني .

حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا عقبة بن أبي المهنا ، قال : سألت بكرا عن المختلعة أيأخذ منها شيئا ؟ قال : لا { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا } .

وقال آخرون : بل هي منسوخة نسخها قوله : { وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأْخُذُوا مما آتيتُمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافا أنْ لا يَقِيما حُدُودَ اللْهِ } ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَإنْ أرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ } إلى قوله : { وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقا غَلِيظا } قال : ثم رخص بعد ، فقال : { وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئَا إلاّ أنْ يَخافا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيمَا حُدودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ } قال : فنسخت هذه تلك .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : إنها محكمة غير منسوخة ، وغير جائز للرجل أخذ شيء مما آتاها إذا أراد طلاقها من غير نشوز كان منها ، ولا ريبة أتت بها . وذلك أن الناسخ من الأحكام ، ما نفى خلافه من الأحكام ، على ما قد بينا في سائر كتبنا ، وليس قوله : { وَإنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ } نفي حكم قوله : { فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ } لأن الذي حرّم الله على الرجل بقوله : { وَإنْ أرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنّ قِنْطارا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا } أخذ ما آتاها منها إذا كان هو المريد طلاقها .

وأما الذي أباح له أخذه منها بقوله : { فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ } فهو إذا كانت هي المريدة طلاقه ، وهو كاره له ببعض المعاني التي قد ذكرنا في غير هذا الموضع ، وليس في حكم إحدى الاَيتين نفي حكم الأخرى ، وإذا كان ذلك كذلك لم يجز أن يحكم لإحداهما بأنها ناسخة ، وللأخرى بأنها منسوخة ، إلا بحجة يجب التسليم لها .

وأما ما قاله بكر بن عبد الله المزني من أنه ليس لزوج المختلعة أخذ ما أعطته على فراقه إياها إذا كانت هي الطالبة الفرقة وهو الكاره ، فليس بصواب لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أمر ثابت بن قيس بن شماس بأخذ ما كان ساق إلى زوجته وفراقها إن طلبت فراقه ، وكان النشوز من قبلها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (21)

قوله : وكيف تأخذونه استفهام تعجيبي بعد الإنكار ، أي ليس من المروءة أن تطمعوا في أخذ عوض عن الفراق بعد معاشرة امتزاج وعهد متين . والإفضاء الوصول ، مشتقّ من الفضاء ، لأنّ في الوصول قطع الفضاء بين المتواصلين والميثاق الغليظ عقدة النكاح على نيّة إخلاص النيّة ودوام الألفة ، والمعنى أنّكم كنتم على حال مودة وموالاة ، فهي في المعنى كالميثاق على حسن المعاملة .

والغليظ صفة مُشَبَّهة من غَلُظ بضمّ اللام إذا صلب ، والغلظة في الحقيقة صَلابة الذوات ، ثم استعيرت إلى صعوبة المعاني وشدّتها في أنواعها ، قال تعالى : { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة } [ التوبة : 123 ] . وقد ظهر أنّ مناط التحريم هو كون أخذ المال عند طلب استبدال الزوجة بأخرى ، فليس هذا الحكم منسوخاً بآية البقرة خلافاً لجابر بن زيد إذ لا إبطال لمدلول هذه الآية .