الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (21)

ثم قال : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ } على معنى الاستعظام ، كقوله :

{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ } [ البقرة : 28 ] { وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ } .

قال المفسرون : أراد المجامعة ، ولكن الله كريم يكني بما شاء عمّا شاء ، وأصل الإفضاء الوصول إلى شيء من غير واسطة .

{ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } .

قال الحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة والسدي : هو قولهم عند العقد : زوجتكها على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .

مجاهد : هو كلمة النكاح التي يُستحل بها الفروج وهي كقوله : نكحته . الشعبي وعكرمة والربيع : هو قوله : أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله .

فصل فيما ورد من الأخبار في الرخص في مغالاة المهر لقوله : { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } عن عطاء الخراساني :

" قال خطب عمر إلى علي ابنته أم كلثوم وهي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنها صغيرة ، فقال عمر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وصهري " فلذلك رغبت فيها . فقال علي ( رضي الله عنه ) : إني مرسلها إليك حتى تنظر إلى صغرها فأرسلها إليه ، فجاءته فقالت : إن أبي يقول لك هل رضيت النحلة . فقال : رضيتها . قال : فأنكحه ابنته وصدقها عمر أربعين ألف درهم " .

وعن ابن سيرين : إن الحسن( رضي الله عنه ) تزوج بامرأة ، فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم . وروى مرشد بن عبد الله البرني عن عقبة بن عامر الجهني " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خير النكاح أيسرهُ " وقال صلى الله عليه وسلم لرجل : " أترضى أن أُزوجك فلانة ؟ " قال : نعم ، قال للمرأة : " أترضين أن أزوجك فلاناً ؟ " قالت : نعم ، فزوج أحدهما بصاحبه ، فدخل عليها الرجل ولم يفرض لها صداقاً ولم يعطها شيئاً ، وكان ممّن شهد الحديبية وله سهم بخيبر ، فلما حضرته الوفاة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوّجني بفلانة ولم أفرض لها صداقاً ولم أعطها شيئاً ، وأني قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر ، فأخذت سهمها ذلك فباعته بمائة ألف . وعن ضمرة بن حبيب أن أم حبيبة كانت بأرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وأن رسول الله زوّجها فأصدق عنه النجاشي أربعمائة دينار " .

وبه عن ابن سيرين عن ابن عباس أنه تزوج سليمة السلمية على عشرة آلاف درهم .

حماد بن سلمة عن ابن بشر أن عروة البارقي تزوج بنت هاني بن قبيصة على ألف درهم .

وعن غيلان بن جرير أن مطرفاً تزوج امرأة على عشرة ألف أواق .

فصل فيمن كره ذلك ، والكلام في أقل المهر

عن ابن سيرين قال : حدثنا أبو العجفا السلمي ، قال : سمعت عمر وهو يخطب الناس فحمد الله واثنى عليه وقال : ألا لا تغالوا في صداق النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق امرأة من نسائه ولا امرأة من بناته فوق اثنتي عشرة أوقية ، ألا وإن أحدكم ليغلي بصدقة امرأة حتى يُبقي لها عداوة في نفسه ، فيقول : كانت لك حلق القربة أو عرق القربة .

عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يُمن المرأة تيسير صداقها وتيسر رحمها " .

قال عروة : وأنا أقول من عندي من أول شؤمها أن يكثر صداقها .

سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال : كان صداقنا مُذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أواق وهو أربعة دراهم .

ثابت البناني عن أنس : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن أثر صفرة وقال : " ما هذا ؟ " فقال : يا رسول الله تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بارك الله لك أولم ولو بشاة " " .

يقال : هي خمسة دراهم .

وعن سهل بن سعد الساعدي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياماً طويلا ، فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ " قال : ما عندي إلاّ إزاري هذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئاً " فقال : ما أجد شيئاً . فقال : " التمس ولو خاتماً من حديد " ، فالتمس فلم يجد شيئاً ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل معك من القرآن شيء ؟ " قال : نعم ، سورة كذا و سورة كذا ، لسور سمّاها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " زوجتك بما معك من القرآن " " .

وعن عبد الله بن عامر عن أبيه : " أن رجلا تزوج امرأة على نعلين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرضيت مالك بهاتين النعلين ؟ " قال : نعم فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

وعن أبي حدرد الأسلمي قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم استعينه في مهر امرأة فقال : " كم تصدقها ؟ " قلت : مائتي درهم . فقال : " لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم " " .

مسلم بن رومان عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعطى في صداق ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل " .

وعن أبي سعيد الخدري : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بامرأة على عشرة دراهم " .

أحمد بن حنبل عن الحسن بن عبد العزيز قال : كتب إلينا ضمرة عن إبراهيم بن عبد الله الكناني أن سعيد بن المسيب زوج ابنته على درهمين .

وكيع عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي شيبة عن جدّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استحل بدرهم فقد استحل " قال وكيع : في النكاح .

وعن عبد الله بن يزيد مولى الأسود أن رجلا تسرَّ جارية له فكرهها ، فقال له رجل : هبها لي ، فوهبها له فذكر ذلك لسعيد بن المسيب ، فقال : إن الهبة لم تجز لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطاً لحلت .

المغيرة عن إبراهيم قال : السنة في الصداق الرطل من الورق ، كانوا يكرهون أن يكون مهر الحرائر مثل مهور البغايا بالدرهم والدرهمان ، ويحبون أن يكون عشرين درهماً .