البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (21)

الإفضاء إلى الشيء : الوصول إلى فضاء منه ، أي سعة غير محصورة .

وفي مثل الناس فوضى فضى أي : مختلطون ، يباشر بعضهم بعضاً .

ويقال : فضاً يفضو فضاًء إذا اتسع ، فألف أفضى منقلبة عن ياء أصلها واو .

{ وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } وهذا استفهام إنكار أيضاً ، أنكر أولاً الأخذ ، ونبه على امتناع الأخذ بكونه بهتاناً وإثماً .

وأنكر ثانياً حاله الأخذ ، وأنها ليست مما يمكن أن يجامع حال الإفضاء ، لأن الإفضاء وهو المباشرة والدنوّ الذي ما بعده دنو ، يقتضي أن لا يؤخذ معه شيء مما أعطاه الزوج ، ثم عطف على الإفضاء أخذ النساء الميثاق الغليظ من الأزواج .

والإفضاء : الجماع قاله ، ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، والسدي .

وقال عمر ، وعلي ، وناس من الصحابة ، والكلبي ، والفراء : هي الخلوة والميثاق ، هو قوله تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قاله : ابن عباس ، والحسن ، والضحاك ، وابن سيرين ، والسدي ، وقتادة .

قال قتادة : وكان يقال للناكح في صدر الإسلام : عليكم لتمسكنَّ بمعروف ، أو لتسرحنَّ بإحسان .

وقال مجاهد وابن زيد : الميثاق كلمة الله التي استحللتم بها فروجهن ، وهي قول الرجل : نكحت وملكت النكاح ونحوه .

وقال عكرمة : هو قوله صلى الله عليه وسلم : « استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله » وقال قوم : الميثاق الولد ، إذ به تتأكد أسباب الحرمة وتقوى دواعي الألفة .

وقيل : ما شرط في العقد من أنّ على كل واحد منهما تقوى الله ، وحسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف ، وما جرى مجرى ذلك .

وقال الزمخشري : الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة ، كأنه قيل : وأخذن به منكم ميثاقاً غليظاً ، أي بإفضاء بعضكم إلى بعض .

ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه ، فقد قالوا : صحبة عشرين يوماً قرابة ، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج ؟ انتهى كلامه .

/خ28