إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (21)

وقوله عز وجل : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ } إنكارٌ لأخذه إثرَ إنكارٍ وتنفيرٌ عنه بعد تنفيرٍ ، وقد بولغ فيه حيث وُجّه الإنكارُ إلى كيفية الأخذِ إيذاناً بأنه مما لا سبيل له إلى التحقق والوقوعِ أصلاً لأن ما يدخُل تحت الوجودِ لابد أن يكون على حال من الأحوال فإذا لم يكن لشيء حالٌ أصلاً لم يكن له حظٌّ من الوجود قطعاً ، وقوله عز وجل : { وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ } حالٌ من فاعل تأخُذونه مفيدةٌ لتأكيد النكيرِ وتقريرِ الاستبعادِ ، أي على أي حالٍ أو في أي حالٍ تأخُذونه والحالُ أنه قد جرى بينكم وبينهن أحوالٌ منافيةٌ له من الخَلْوة وتقرُّرِ المَهرِ وثبوتِ حقِّ خِدْمتِهن لكم وغير ذلك { وَأَخَذْنَ مِنكُم ميثاقا غَلِيظاً } عطفٌ على ما قبله داخلٌ في حكمه أي أخذْنَ منكم عهداً وثيقاً وهو حقُّ الصحبةِ والمعاشرةِ أو ما وثّق اللَّهُ تعالى عليهم في شأنهن بقوله تعالى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان } [ البقرة ، الآية 229 ] أو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام : «أخذتُموهن بأمانةِ اللَّهِ واستحللتم فروجَهن بكلمة الله تعالى » .