فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (21)

{ وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( 21 ) }

{ وكيف } كلمة تعجب { تأخذونه } إنكار بعد إنكار مشتمل على العلة التي تقتضي منع الأخذ وهي الإفضاء ، والمعنى لأي وجه تفعلون مثل هذا الفعل ، وكيف يليق بالعاقل أن يسترد شيئا بذله لزوجته عن طيب نفس ، وقيل هو استفهام معناه التوبيخ والتعظيم لأخذ المهر بغير حله .

ثم ذكر السبب فقال { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } قال الهروي والكلبي : وهو إذا كان في لحاف واحد جامع أو لم يجامع ، وقال الفراء : الإفضاء أن يخلو الرجل والمرأة وإن لم يجامعها وبه قال أبو حنيفة ، وقال ابن عباس ومجاهد والسدي واختاره الزجاج : أن الإفضاء في هذه الآية الجماع ولكن الله يكنى وبه قال الشافعي .

وأصل الإفضاء في اللغة المخالطة يقال للشيء المختلط فضاء ويقال القوم فوضا وفضاء أي مختلطون لا أمير عليهم ، وقيل الوصول : يقال أفضى إليه أي وصل .

{ وأخذن منكم } وهذا الإسناد مجاز عقلي لأن الآخذ للعهد حقيقة هو الله لكن بولغ فيه حتى جعل كأنهن الآخذات له { ميثاقا غليظا } وهو عقد النكاح ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ( فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) {[436]} وقيل هو قوله تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قاله ابن عباس ، وقيل هو الأولاد .

كان ابن عمر إذا نكح قال : نكحتك على ما أمر الله به إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، قال قتادة : وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح الله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرحن بإحسان ، وعن أنس بن مالك نحوه ، وعلى هذا هو قول العاقد وعلى الأول هو كلمة النكاح المعقودة على الصداق .


[436]:أبو داود كتاب المناسك باب 56- الإمام أحمد5/72.