غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (21)

11

ثم عجب من الأخذ مستفهماً فقال : { وكيف تأخذونه وقد أفضة بعضكم إلى بعض } عن ابن عباس ومجاهد والسدي واختاره الزجاج وابن قتيبة وإليه ذهب الشافعي أن المراد بالإفضاء الجماع إذ الفضاء الساحة ويقال : أفضيت إذا خرجت إلى الفضاء . وهذا المعنى إنما يحصل في الحقيقة عند الجماع . وقيل : الإفضاء أن يخلو بها وإن لم يجامعها وهو قول الكلبي واختاره الفراء ، ويوافقه مذهب أبي حنيفة أن الخلوة الصحيحة تقرر المهر . ورجح مذهب الشافعي بأن الكلام ورد في معرض التعجب وهو إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سبباً قريباً في حصول الألفة والمودّة وذلك هو الجماع لا مجرد الخلوة ، وأيضاً الإفضاء لا بد أن يكون مفسراً بفعل ينتهي منه إليها لأن كلمة " إلى " لانتهاء الغاية ، ومجرد الخلوة ليس كذلك إذا لم يحصل فعل من أفعال أحدهما إلى الآخرة . فإن قيل : على هذا يجب أن يكون التلامس والاضطجاع في لحاف واحد كافياً في تحقيق الإفضاء ، وأنتم لا تقولون به ؟ فالجواب أنه باطل بالإجماع إذ القائل قائلان : قائل بتفسير الإفضاء بالجماع ، وقائل بتفسيره بمجرد الخلوة . وأيضاً الشرع قد علق تقرر المهر بتحقيق الإفضاء ، وقد اشتبه معناه أنه الخلوة أو الجماع فوجب الرجوع إلى ما قبل زمان الخلوة . ومقتضى ذلك عدم تقرر المهر . ثم أكد المنع من استرداد المهر بقوله : { وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً } قال السدي وعكرمة والفراء : هو قولكم زوّجتك هذه المرأة على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . ومعلوم أنه إذا ألجأها إلى أن بذلت المهر فقد سرحها بالإساءة . وقال ابن عباس ومجاهد : الميثاق الغليظ كلمة النكاح المعقودة على الصداق وإليها أشار في الحديث : " واستحللتم فروجهن بكلمة الله " وقال آخرون : أخذن منكم بسبب إفضاء بعضكم إلى بعض ميثاقاً غليظاً وصفه بالغلظ لقوّته قد قالوا : صحبة عشرين يوماً قرابة فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج ؟

/خ22