قوله تعالى : { فلما رأى أيديهم لا تصل إليه } ، أي : إلى العجل ، { نكرهم } ، أنكرهم ، { وأوجس } ، أضمر { منهم خيفة } ، خوفا . قال مقاتل : وقع في قلبه ، وأصل الوجوس : الدخول ، كان الخوف دخل قلبه . وقال قتادة : وذلك أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وإنما جاء بشر .
{ قالوا لا تخف } ، يا إبراهيم إنا رسل ربك . يعني : { إنا } ملائكة الله { أرسلنا إلى قوم لوط* } .
ولكن الملائكة لا يأكلون طعام أهل الأرض :
( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ) . .
فالذي لا يأكل الطعام يريب ، ويشعر بأنه ينوي خيانة أو غدرا بحسب تقاليد أهل البدو . . وأهل الريف عندنا يتحرجون من خيانة الطعام ، أي من خيانة من أكلوا معه طعاما ! فإذا امتنعوا عن طعام أحد فمعنى هذا أنهم ينوون به شرا ، أو أنهم لا يثقون في نياته لهم . . وعند هذا كشفوا له عن حقيقتهم :
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَىَ قَوْمِ لُوطٍ } .
يقول تعالى ذكره : فلما رأى إبراهيم أيدَيهم لا تصل إلى العجل الذي أتاهم به والطعام الذي قدّم إليهم نكرهم ، وذلك أنه لما قدّم طعامه صلى الله عليه وسلم إليهم فيما ذُكِر ، كَفّوا عن أكله ، لأنهم لم يكونوا ممن يأكله ، وكان إمساكهم عن أكله عند إبراهيم وهم ضيفانه مستنكرَا ، ولم تكن بينهم معرفة ، وراعه أمرهم وأوجس في نفسه منهم خيفة .
وكان قتادة يقول : كان إنكاره ذلك من أمرهم كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلَمّا رأى أيْدِيهِمْ لا تَصِلُ إلَيْهِ نَكِرَهُمْ وأوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يَطعَم من طعامهم ، ظنوا أنه لم يجىءْ بخير ، وأنه يحدّث نفسه بشرّ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : فَلَمّا رأى أيْدِيهِمْ لا تَصِلُ إلَيْهِ نَكِرَهُمْ قال : كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ، ظنوا أنه لم يأت بخير ، وأنه يحدّث نفسه بشرّ ، ثم حدّثوه عند ذلك بما جاءوا .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن الأسود بن قيس ، عن جندب بن سفيان ، قال : لما دخل ضيف إبراهيم عليه السلام قرّب إليهم العجل ، فجعلوا ينكتون بِقداح في أيديهم من نَبْل ، ولا تصل أيديهم إليه ، نكرهم عند ذلك .
يقال منه : نَكِرْت الشيء أَنكره ، وأَنكرته أنكره بمعنى واحد ، ومن نكرت وأنكرت قول الأعشى :
وأنْكَرَتْني وَما كانَ الذي نَكِرَتْ *** منَ الحَوَادثِ إلاّ الشّيْبَ والصّلَعا
فجمع اللغتين جميعا في البيت . وقال أبو ذُؤيب :
فَنَكرْنَهُ فَنَفَرْنَ وَامْتَرَسَتْ بهِ *** هَوْجاءُ هادِيَةٌ وَهادٍ جُرْشُعُ
وقوله : وأوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً يقول : أحسّ في نفسه منهم خيفة وأضمرها . قالُوا لا تَخَفْ يقول : قالت الملائكة لما رأت ما بإبراهيم من الخوف منهم : لا تخف منا وكن آمنا ، فإنا ملائكةُ ربك أرسلنا إلى قوم لوط .
{ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه } لا يمدون إليه أيديهم . { نكرهم وأوجس منهم خيفة } أنكر ذلك منهم وخاف أن يريدوا به مكروها ، ونكر وأنكر واستنكر بمعنى والإيجاس الإدراك وقيل الإضمار { قالوا } له لما أحسوا منه أثر الخوف . { لا تخف إنا أُرسلنا إلى قوم لوط } إنا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب ، وإنما لم نمد إليه أيدينا لأنا لا نأكل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.