النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۚ قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٖ} (70)

قوله عز وجل : { فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم } في نكرهم وأنكرهُم وجهان :

أحدهما : أن معناهما مختلف ، فنكرهم إذا لم يعرفهم ونكرهم إذا وجدهم على منكر .

الثاني : [ أنهما ] بمعنى واحد ، قال الأعشى :

وأنكَرَتْني وما كان الذي نكرت *** من الحوادث إلا الشيب والصّلَعا

واختلف في سبب إنكاره لهم على قولين :

أحدهما : أنهم لم يطعموا ، ومن شأن العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم ظنوا به سوءاً وخافوا منه شراً ، فنكرهم إبراهيم لذلك ، قاله قتادة . والثاني : لأنه لم تكن لهم أيدي فنكرهم ، قاله يزيد بن أبي حبيب . وامتنعوا من طعامه لأنهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون .

{ وَأَْوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } فيه وجهان :

أحدهما : أضمر في نفسه خوفاً منهم .

والثاني : أحسّ من نفسه تخوفاً منهم ، كما قال يزيد بن معاوية :

جاء البريد بقرطاس يُخَبُّ به *** فأوجس القلبُ من قرطاسه جزعا

{ قالوا لا تخف إنا أُرسلنا إلى قوم لوط } يعني لهلاكهم . وفي إعلامهم إبراهيم بذلك وجهان :

أحدهما : ليزول خوفه منهم .

والثاني : لأن إبراهيم قد كان يأتي قوم لوط فيقول : ويحكم أنهاكم عن الله أن تتعرضوا لعقوبته فلا يطيعونه .