معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۚ قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٖ} (70)

وقوله : { فَلَما رَأي أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ 70 }

أي إلى الطعام . وذلك أَنها كانت سُنَّة في زمانهم إذا ورد عليهم القوم فأُتُوا بالطعام فلم يمَسّوه ظنّوا أَنهم عَدُوٌّ أو لصوص . فهناك أوجس في نفسه خِيفة فرأَوْا ذلك في وجهه ، فقالوا : لا تخف ، فضحِكت عند ذلك امرأتُه وكانت قائمة وهو قاعد ( وكذلك هي في قراءة عبد الله : وامرأته قائمة وهو قاعد ) مثبتة فضحكت فبشرت بعد الضحك . وإنما ضحكت سروراً بالأمن فأتبعوها البشرى بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب . وقد يقول بعض المفسِّرين : هذا مقدّم ومؤخَّر . والمعنى فيه : فبشَّرْناها بإسحاق فضحكت بعد البشارة وهو مما قد يَحتمله الكلام والله أعلم بصوابه . وأما قوله ( فضحِكتْ ) : حاضت فلم نسمعه من ثقة وقوله ( يَعقُوب ) يرفع وينصب وكان حمزة ينوى به الخفض يريد : ( ومن وراء إسحاق بيعقوب ) . ولا يجوز الخفض إلاّ بإظهار الباء . ويعقوب ها هنا ولد الولد والنصب في يعقوب بمنزلة قول الشاعر :

جئني بمثل بنى بدر لقومهم *** أو مثلَ أُسرة منظور بن سَيَّار

أو عامرَ بن طُفَيل في مُرَكَّبِه *** أو حارثا يوم نادى القومُ يا حارِ

وأنشدني بعض بنى باهلة :

لو جيتَ بالخُبز له مُيَسِّرا *** والبيضَ مطبوخاً معاً والسُّكَّرا

لم يُرضه ذلك حتى يسكرا *** . . .

فنصب على قولك : وجِئتَ بالسكَّر ، فلما لم يُظهر الفعل مع الواو نصب كما تأمر الرجل بالمرور على أخيه فتقول : أخاك أخاك تريد : امْرُرْ به .