فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَمَّا رَءَآ أَيۡدِيَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَيۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۚ قَالُواْ لَا تَخَفۡ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطٖ} (70)

{ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ } أي : لا يمدونها إلى العجل كما يمدّ يده من يريد الأكل { نَكِرَهُمْ } يقال : نكرته وأنكرته واستنكرته : إذا وجدته على غير ما تعهد ، ومنه قول الشاعر :

فأنكرتني وما كان الذي نكرت *** من الحوادث إلا الشيب والصلعا

فجمع بين اللغتين ، ومما جمع فيه بين اللغتين قول الشاعر :

إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها *** خرجت مع البازي عليّ سواد

وقيل : يقال : أنكرت لما تراه بعينك ، ونكرت لما تراه بقلبك ، قيل : وإنما استنكر منهم ذلك ، لأن عادتهم أن الضيف إذا نزل بهم ولم يأكل من طعامهم ظنوا أنه قد جاء بشرّ { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ } أي : أحسّ في نفسه منهم { خِيفَةً } أي : خوفاً وفزعاً . وقيل : معنى أوجس : أضمر في نفسه خيفة ، والأول ألصق بالمعنى اللغوي ، ومنه قول الشاعر :

جاء البريد بقرطاس يحث به *** فأوجس القلب من قرطاسه فزعا

وكأنه ظنّ أنهم قد نزلوا به لأمر ينكره ، أو لتعذيب قومه { قَالُواْ لاَ تَخَفْ } قالوا له هذه المقالة مع كونه لم يتكلم بما يدل على الخوف ، بل أوجس ذلك في نفسه ، فلعلهم استدلوا على خوفه بأمارات كظهور أثره على وجهه ، أو قالوه له بعد ما قال عقب ما أوجس في نفسه من الخيفة قولاً يدلّ على الخوف ، كما في قوله في سورة الحجر :

{ قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } ، ولم يذكر ذلك ها هنا اكتفاء بما هنالك ، ثم علّلوا نهيه عن الخوف بقولهم : { إِنَّا أرْسلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ } أي : أرسلنا إليهم خاصة ، ويمكن أن يكون إبراهيم عليه السلام قد قال قولاً يكون هذا جواباً عنه { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون . قَالُواْ إِنَّا أرْسلْنَا إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } .

/خ76