معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

قوله تعالى : { أولم يهد } ، قرأ قتادة ويعقوب : ( نهد ) بالنون على التعظيم ، والباقون بالياء على التفريد ، يعني أو لم يتبين .

قوله تعالى : { للذين يرثون الأرض من بعد } ، هلاك .

قوله تعالى : { أهلها } ، الذين كانوا فيها .

قوله تعالى : { أن لو نشاء أصبناهم } ، أي : أخذناهم وعاقبناهم .

قوله تعالى : { بذنوبهم } كما عاقبنا من قبلهم .

قوله تعالى : { ونطبع } ، نختم .

قوله تعالى : { على قلوبهم فهم لا يسمعون } ، الإيمان ولا يقبلون الموعظة ، قال الزجاج : قوله { ونطبع } منقطع عما قبله ، لأن قوله { أصبناهم } ماض ونطبع مستقبل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

94

( أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ، ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ) . .

إن سنة الله لا تتخلف ؛ ومشيئة الله لا تتوقف . فما الذي يؤمنهم أن يأخذهم الله بذنوبهم كما أخذ من قبلهم ؟

وأن يطبع على قلوبهم فلا يهتدوا بعد ذلك ، بل لا يستمعوا إلى دلائل الهدى ، ثم ينالهم جزاء الضلال في الدنيا والآخرة . . ألا إن مصارع الخالين قبلهم ، ووراثتهم لهم ، وسنة الله الجارية . . كل أولئك كان نذيراً لهم أن يتقوا ويحذروا ؛ وأن يطرحوا عنهم الأمن الكاذب ، والاستهتار السادر ، والغفلة المردية ، وأن يعتبروا بما كان في الذين خلوا من قبلهم . عسى ألا يكون فيهم . لو كانوا يسمعون !

وما يريد الله للناس بهذا التحذير في القرآن أن يعيشوا مفزعين قلقين ؛ يرتجفون من الهلاك والدمار أن يأخذهم في لحظة من ليل أو نهار . فالفزع الدائم من المجهول ، والقلق الدائم من المستقبل ، وتوقع الدمار في كل لحظة . . قد تشل طاقة البشر وتشتتها ؛ وقد تنتهي بهم إلى اليأس من العمل والنتاج وتنمية الحياة وعمارة الأرض . . إنما يريد الله منهم اليقظة والحساسية والتقوى ، ومراقبة النفس ، والعظة بتجارب البشر ، ورؤية محركات التاريخ الإنساني ، وإدامة الاتصال بالله ، وعدم الاغترار بطراءة العيش ورخاء الحياة .

والله يعد الناس الأمن والطمأنينة والرضوان والفلاح في الدنيا والآخرة ، إذا هم أرهفوا حساسيتهم به ، وإذا هم أخلصوا العبودية له ؛ وإذا هم اتقوه فاتقوا كل ما يلوث الحياة . فهو يدعوهم إلى الأمن في جوار الله لا في جوار النعيم المادي المغري . وإلى الثقة بقوة الله لا بقوتهم المادية الزائلة . وإلى الركون إلى ما عند الله لا إلى ما يملكون من عرض الحياة .

ولقد سلف من المؤمنين بالله المتقين لله سلف ما كان يأمن مكر الله . وما كان يركن إلى سواه . وكان بهذا وذاك عامر القلب بالإيمان ، مطمئناً بذكر الله ، قوياً على الشيطان وعلى هواه ، مصلحاً في الأرض بهدى الله ، لا يخشى الناس والله أحق أن يخشاه .

وهكذا ينبغي أن نفهم ذلك التخويف الدائم من بأس الله الذي لا يدفع ، ومن مكر الله الذي لا يدرك . لندرك أنه لا يدعو إلى القلق إنما يدعو إلى اليقظة ، ولا يؤدي إلى الفزع إنما يؤدي إلى الحساسية ، ولا يعطل الحياة إنما يحرسها من الاستهتار والطغيان .

والمنهج القرآني - مع ذلك - إنما يعالج أطوار النفوس والقلوب المتقلبة ، وأطوار الأمم والجماعات المتنوعة ، ويطب لكل منها بالطب المناسب في الوقت الملائم . فيعطيها جرعة من الأمن والثقة والطمأنينة إلى جوار الله ، حين تخشى قوى الأرض وملابسات الحياة . ويعطيها جرعة من الخوف والحذر والترقب لبأس الله ، حين تركن إلى قوى الأرض ومغريات الحياة . وربك أعلم بمن خلق ، وهو اللطيف الخبير . .