تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} (100)

المفردات :

أولم يهد للذين يرثون الأرض : أفلم يصنع الهداية لهم ؟ !

يرثون الأرض من بعد أهلها : يخلفون من مضى قبلهم من الأمم المهلكة .

التفسير :

100-{ أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون } .

القرآن كتاب الحياة يأخذ بيد المؤمنين إلى أسباب النصر والتمكين ويحذر الكافرين من بأس الله وعقوبته ، والقرآن هنا كالطبيب الذي يأسو جراح القلوب ، إنه أمام قوم قست قلوبهم من أهل مكة ، فهو يقول لهم ولأشباههم في كل زمان ومكان ما يأتي :

أو لم يتبين لهؤلاء الذين يعيشون على تلك الأرض التي ورثوها بعد أهلها المهلكين .

هؤلاء الذين سكنوا مساكن القوم الظالمين الذين هلكوا ، وورثوا أرضهم وديارهم وأموالهم .

ألم يهد لهم وينكشف لأبصارهم ، أو بصائرهم ، أن الله سبحانه وتعالى لو شاء لأخذهم بذنوبهم كما أخذ القوم الظالمين قبلهم بذنوبهم ؟

فما حجتهم على الله بعد أن صرف عنهم العذاب الذي بأشباههم من الأمم السابقة ، وبعد أن عافاهم من البلاء الانتقام الذي يستحقونه .

إنه لا حجة لهم على الله ، ولا فضل لهم في أن عافاهم من البلاء وصرف عنهم العذاب ؟

فما صرف الله عنهم العذاب إلا لمقام نبيه الكريم بينهم ، وقد وعده الله ألا يعذب قومه وهو بين ظهرانيهم .

قال تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون }( الأنفال : 33 ) .

{ ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون } .

أي : أن العذاب إما أن يكون ظاهرا ملموسا ، وإما أن يكون خفيا باطنيا ، ومن هذا العذاب الخفي : البلاء الذي يغشى قلوب الظالمين فيحجب عنها الهدى فلا تهتدي إليه ، ويصرف عنها الخير ، فلا تعرف له وجها .

فهم لا يسمعون إنذارا ولا يتدبرون إرشادا ؛ لأن آذان قلوبهم لم تتفتح لسماع القرآن وهدايته .

قال تعالى : { إذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا * وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا . . . }( الإسراء : 45 ، 46 ) .