قوله تعالى : { إن الساعة آتية أكاد أخفيها } قيل : معناه إن الساعة آتية أخفيها ( وأكاد ) صلة . وأكثر المفسرين قالوا : معناه أكاد أخفيها من نفسي وكذلك في مصحف أبي بن كعب وفي مصحف عبد الله بن مسعود ( أكاد أخفيها ) من نفسي ، فكيف يعلمها مخلوق وفي بعض القراءة ، فكيف أظهرها لكم . وذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقولون : كتمت سرك في نفسي أي : أخفيته غاية الإخفاء والله عزتعالى لا يخفى عليه شيء . وقال الأخفش ( أكاد ) أي أريد ومعنى الآية : أن الساعة آتية أريد أخفيها والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت . وقرأ الحسن : بفتح الألف أي : أظهرها ، يقال : خفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا سترته قوله تعالى : { لتجزى كل نفس بما تسعى } أي : بما تعمل من خير وشر .
{ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ } أي : لا بد من وقوعها { أَكَادُ أُخْفِيهَا } أي : عن نفسي كما في بعض القراءات ، كقوله تعالى : { يَسْأَلَكَ الناس عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ الله } وقال : { وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } فعلمها قد أخفاه عن الخلائق كلهم ، فلا يعلمها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، والحكمة في إتيان الساعة { لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } من الخير والشر ، فهي الباب لدار الجزاء { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى }
في قوله { إن الساعة آتية } تحذير ووعيد ، أي اعبدني فإن عقابي وثوابي بالمرصاد ، و { الساعة } في هذه الآية القيامة بلا خلاف ، وقرأ ابن كثير والحسن وعاصم{[8087]} «أكاد أخفيها » بفتح الهمزة بمعنى أظهرها أي أنها من صحة وقوعها وتيقن كونه تكاد تظهر لكن تنحجب إلى الأجل المعلوم ، والعرب تقول خفيت الشيء بمعنى أظهرته ومنه قول امرىء القيس : [ الطويل ]
خفاهن من أنفاقهن كأنما . . . خفاهن ودق من سحاب مجلّب{[8088]}
ومنه قوله أيضاً : [ المتقارب ]
فإن تدفنوا الداء لا نخفه . . . وإن توقدوا الحرب لا نقعد{[8089]}
قال أبو علي : المعنى : أزيل خفاءها ، وهو ما تلف به القربة ونحوها . وقرأ الجمهور «أُخفيها » بضم الهمزة ، واختلف المتأولون في معنى الآية فقالت فرقة : معناه أظهرها وأخفيت من الأضداد ، وهذا قول مختل ، وقالت فرقة معناه ، { أكاد أخفيها } من نفسي على معنى العبارة من شدة غموضها على المخلوقين ، فقالت فرقة : المعنى { إن الساعة آتية أكاد } وتم الكلام بمعنى { أكاد } أنفذها لقربها وصحة وقوعها ثم استأنف الإخبار بأن يخفيها{[8090]} ، وهذا قلق ، وقالت فرقة { أكاد } زائدة{[8091]} لا دخول لها في المعنى بل تضمنت الآية الإخبار بأن الساعة آتية وأن الله يخفي وقت إتيانها عن الناس ، وقالت فرقة { أكاد } بمعنى أريد ، فالمعنى أريد إخفاءها عنكم { لتجزى كل نفس بما تسعى } واستشهد قائل هذه المقالة بقول الشاعر : [ الكامل ]
كادت وكدت وتلك خير إرادة . . . {[8092]} وقد تقدم هذا المعنى ، وقالت فرقة { أكاد } على بابها بمعنى أنها متقاربة ما لم يقع ، لكن الكلام جار على استعارة العرب ومجازها ، فلما كانت الآية عبارة عن شدة خفاء أمر القيامة ووقتها وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس بالغ قوله تعالى في إبهام وقتها فقال { أكاد أخفيها } حتى لا تظهر البتة ولكن ذلك لا يقع ولا بد من ظهورها ، هذا تلخيص هذا المعنى الذي أشار إليه بعض المفسرين وهو الأقوى عندي ، ورأى بعض القائلين بأن المعنى { أكاد أخفيها } من نفسي ما في القول من القلق فقالوا معنى من نفسي من تلقائي ومن عندي ع وهذا رفض للمعنى الأول ورجوع إلى هذا القول الذي اخترناه أخيراً فتأمله ، واللام في قوله { لتجزى } متعلقة ب { آتية } وهكذا يترتب الوعيد . و { تسعى } معناه تكسب وتجترح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.