وجملة { إِنَّ الساعة آتِيَةٌ } تعليل لما قبلها من الأمر ، أي إن الساعة التي هي وقت الحساب والعقاب آتية ، فاعمل الخير من عبادة الله والصلاة .
ومعنى { أَكَادُ أُخْفِيهَا } : مختلف فيه . قال الواحدي : قال أكثر المفسرين : أخفيها من نفسي ، وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة . وقال المبرد وقطرب : هذا على عادة مخاطبة العرب يقولون إذا بالغوا في كتمان الشيء : كتمته حتى من نفسي ، أي لم أطلع عليه أحداً ؛ ومعنى الآية : أن الله بالغ في إخفاء الساعة ، فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب . وقد روي عن سعيد بن جبير أنه قرأ : «أخفيها » بفتح الهمزة ، ومعناه : أظهرها . وكذا روى أبو عبيد عن الكسائي عن محمد بن سهل عن وفاء بن إياس عن سعيد ابن جبير . قال النحاس : وليس لهذه الرواية طريق غير هذا . قال القرطبي : وكذا رواه ابن الأنباري في كتاب الردّ قال : حدّثني أبي ، حدّثنا محمد بن الجهم ، حدثنا الفراء حدثنا الكسائي فذكره . قال النحاس : وأجود من هذا الإسناد ما رواه يحيى القطان عن الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنه قرأ { أخفيها } بضم الهمزة . قال ابن الأنباري : قال الفراء : ومعنى قراءة الفتح : أكاد أظهرها ، من خفيت الشيء : إذا أظهرته أخفيه . قال القرطبي : وقد قال بعض اللغويين : يجوز أن يكون { أخفيها } بضم الألف معناه : أظهرها ؛ لأنه يقال : خفيت الشيء وأخفيته من حروف الأضداد يقع على الستر والإظهار . قال أبو عبيدة : خفيت وأخفيت بمعنى واحد . قال النحاس : وهذا حسن ، وقد أنشد الفراء وسيبويه ما يدل على أن معنى أخفاه أظهر ، وذلك قول امرئ القيس :
فإن تكتموا الداء لا نخفه *** وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
أي : وإن تكتموا الداء لا نظهره . وقد حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنه بضم النون من نخفه ، وقال : امرؤ القيس :
خفاهن من أنفاقهن كأنما *** خفاهن ودق من عشي مُخَلَب
أي أظهرهن . وقد زيف النحاس هذا القول وقال : ليس المعنى على أظهرها ، ولا سيما و«أخفيها » قراءة شاذة ، فكيف تردّ القراءة الصحيحة الشائعة . وقال ابن الأنباري : في الآية تفسير آخر ، وهو أن الكلام ينقطع على : { أكاد } وبعده مضمر ، أي أكاد آتي بها ، ووقع الابتداء بأخفيها لتجزى كل نفس بما [ تسعى ] ، ومثله قول عمير بن ضابيء البرجمي :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني *** تركت على عثمان تبكي حلائله
أي وكدت أفعل . واختار هذا النحاس . وقال أبو عليّ الفارسي : هو من باب السلب وليس من الأضداد ، ومعنى أخفيها : أزيل عنها خفاءها ، وهو سترها ، ومن هذا قولهم : أشكيته ، أي أزلت شكواه . وحكى أبو حاتم عن الأخفش أن أكاد زائدة للتأكيد ، قال : ومثله { إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } [ النور : 40 ] ، ومثله قول الشاعر :
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه *** فما أن يكاد قرنه يتنفس
قال : والمعنى : أكاد أخفيها ؛ أي أقارب ذلك ، لأنك إذا قلت : كاد زيد يقوم ، جاز أن يكون قام وأن يكون لم يقم ، ودلّ على أنه قد أخفاها بدلالة غير هذه الآية على هذا . وقوله : { لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى } متعلق بآتية ، أو بأخفيها ، و«ما » مصدرية ، أي لتجزى كل نفس بسعيها . والسعي وإن كان ظاهراً في الأفعال ، فهو هنا يعمّ الأفعال والتروك ؛ للقطع بأن تارك ما يجب عليه معاقب بتركه مأخوذ به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.