فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

{ إن الساعة } أي التي هي وقت الحساب والعقاب { آتية } أي كائنة وحاصلة لا محالة فاعمل الخير من عبادة الله والصلاة ، وهذا تعليل لما قبله من الأمر { أكاد } أي أريد ، قاله الأخفش . وقيل صلة { أخفيها } قال الواحدي : قال أكثر المفسرين : أخفيها من نفسي ، وهو قول سعيد ابن جبير ومجاهد وقتادة . وقال المبرد وقطرب : هذا على عادة مخاطبة العرب ، يقولون إذا بالغوا في كتمان الشيء : كتمته حتى من نفسي ، أي لم أطلع عليه أحدا . ومعنى الآية أن الله تعالى بالغ في إخفاء الساعة فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف ؛ وكذلك المعنى في إخفاء وقت الموت على الإنسان ليكون على حذر ، تقديم الوجل في كل وقت .

وقد روي عن سعيد ابن جبير أنه قرأ أخفيها بفتح الهمزة ، ومعناه أظهرها ، قال النحاس : وأجود من هذا ما روي عنه أنه قرأها بضم الهمزة ، قال الفراء : معناه على الفتح أكاد أظهرها من خفيت الشيء إذا أظهرته ، أخفيه .

قال القرطبي : قال بعض اللغويين يجوز أن يكون أخفيها بضم الألف معناه أظهرها ، لأنه يقال خفيت الشيء وأخفيته من حروف الأضداد يقع على الستر والإظهار ، قال أبو عبيدة : خفيت وأخفيت بمعنى واحد ، قال النحاس وهذا أحسن ، وليس المعنى على أظهرها ولا سيما وأخفيها قراءة شاذة ، فكيف ترد القراءة الصحيحة الشائعة ، وقال ابن الأنباري : في الآية تفسير آخر ، وهو أن الكلام ينقطع على { أكاد } وبعده مضمر ، أي أكاد آتي بها ، ووقع الابتداء بأخفيها إلى آخره ، واختار هذا النحاس .

وقال أبو علي الفارسي : هو من باب السلب وليس من الأضداد ، ومعنى أخفيها أزيل عنها خفاءها وهو سترها ، ومن هذا قولهم أشكيته أي أزلت شكواه وعن الأخفش أن كاد زائدة للتأكيد ، قال : ومثله إذا أخرج يده لم يكد يراها ، قال والمعنى أقارب ذلك لأنك إذا قلت كاد زيد يقوم جاز أن يكون قام : وأن يكون لم يقم ، ودل على أنه قد أخفاها بدلالة غير هذه الآية على هذا .

{ لتجزى كل نفس بما تسعى } أي بسعيها ، والسعي وإن كان ظاهرا في الأفعال فهو ههنا يعم الأفعال ، والتّروك للقطع بأن تارك ما يجب عليه معاقب بتركه مأخوذ به .