قوله : { أَكَادُ أُخْفِيهَا } العامةُ على ضمِّ الهمزةِ مِنْ " أُخْفيها " . وفيها تأويلاتٌ ، أحدُها : أن الهمزةَ في " أُخْفيها " للسَّلْبِ والإِزالةِ أي : أُزيل خفاءَها نحو : أعجمتُ الكتابَ أي : أزلْتُ عُجْمَتَه . ثم في ذلك معنيان ، أحدهما : أنَّ الخفاءَ بمعنى السَّتْر ، ومتى أزال سَتْرَها فقد أظهرَها . والمعنى : أنها لتحقُّق وقوعِها وقُرْبِها أكادُ أُظْهِرُها لولا ما تَقْتضيه الحكمةُ من التأخير . والثاني : أنَّ الخفاءَ هو الظهورُ كما سيأتي . والمعنى : أزيلُ ظهورَها ، وإذا أزالَ ظهورَها فقد استترَتْ . والمعنى : أني لِشدَّةِ أبهامها أكاد أُخْفيها فلا أُظْهِرُها/ البتةَ ، وإن كان لا بد من إظهارِها ؛ ولذلك يوجدُ في بعض المصاحف كمصحف أُبَيّ : أكاد أُخْفيها مِنْ نفسي فكيف أُظْهِرُكُمْ عليها ؟ وهو على عادةِ العرب في المبالغة في الإِخفاء قال :
أيامَ تَصْحَبُني هندٌ وأُخْبِرُها *** ما كِدْت أكتُمُه عني من الخبرِ
وكيف يُتَصَوَّرُ كِتْمانُه مِنْ نفسه ؟
والتأويلُ الثاني : أنَّ " كاد " زائدةٌ . قاله ابنُ جُبَيْر . وأنشدَ غيرُه شاهداً عليه قولَ زيدِ الخيل :
سريعٌ إلى الهَيْجاء شاكٍ سلاحُه *** فما إنْ يكادُ قِرْنُه يتنفَّسُ
وألاَّ ألومَ النفسَ فيما أصابني *** وألا أكادَ بالذي نِلْتُ أَبْجَحُ
والتأويل الثالث : أنَّ الكَيْدُوْدَةَ بمعنى الإِرادة ونُسِبت للأخفش وجماعةٍ ، ولا ينفعُ فيما قصدوه .
والتأويل الرابع : أنَّ خبرَها محذوفٌ تقديره : أكاد آتي به لقُرْبها . وأنشدوا قول ضابىء البرجمي :
هَمَمْتُ ولم أفْعَلْ وكِدْتُ وليتني *** تَرَكْتُ على عثمانَ تَبْكي حلائِلُهْ
أي : وكِدْتُ أفعلُ ، فالوقفُ على " أكادُ " ، والابتداء ب " أُخْفيها " ، واستحسنه أبو جعفر .
وقرأ أبو الدرداء وابنُ جبير والحسنُ ومجاهدٌ وحميدٌ " أَخْفيها " بفتح الهمزة . والمعنى : أُظْهرها ، بالتأويل المتقدم يقال : خَفَيْتُ الشيءَ : أظهَرْتُه ، وأَخْفَيْتُه : سترته ، هذا هو المشهور . وقد نُقِل عن أبي الخطاب أنَّ خَفَيْتُ وأَخْفَيْتُ بمعنىً . وحُكي عن أبي عبيد أنَّ " أَخْفى " من الأضدادِ يكون بمعنى أظهر وبمعنى سَتَر ، وعلى هذا تَتَّحد القراءتان . ومِنْ مجيءِ خَفَيْتُ بمعنى أظهَرْت قولُ امرىء القيس :
خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفاقِهِنَّ كأنما *** خفاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلِّبِ
فإنْ تَدْفِنوا الداءَ لا نَخْفِهِ *** وإنْ تُوْقِدُوْا الحربَ لا نَقْعُدِ
قوله : { لِتُجْزَى } هذه لامُ كي ، وليسَتْ بمعنى القسمِ أي : لَتُجْزَيَنَّ كما نقله أبو البقاء عَنْ بعضهم . وتتعلَّق هذه اللامُ ب " اُخْفيها " . وجعلها بعضُهم متعلقةً ب " آتيةٌ " وهذا لا يَتِمُّ إلاَّ إذا قَدَّرْتَ أنَّ " أكاد أُخْفيها " معترضةٌ بين المتعلَّقِ والمتعلَّقِ به ، أمَّا إذا جعلتَها صفةً لآتِيَةٌ فلا يتجه على مذهب البصريين ؛ لأن اسمَ الفاعلِ متى وُصِفَ لم يعملْ ، فإنْ عَمِل ثم وُصِف جاز .
وقال أبو البقاء : " وقيل ب " آتِيَةٌ " ، ولذلك وَقَفَ بعضُهم عليه وَقْفَةً يسيرةً إيذاناً بانفصالِها عن أخفيها " .
قوله : { بِمَا تَسْعَى } متعلقٌ ب " تُجْزَى " . و " ما " يجوز أَنْ تكونَ مصدريةً أو موصولةً اسميةً ، ولا بدَّ من مضاف أي : تُجْزى بعقابِ سَعْيها أو بعقابِ ما سَعَتْه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.