محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

ثم أشار إلى وجوب إفراده بالعبادة وإقامة الصلاة لذكره ، بقوله : { إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ } أي واقعة لا محالة { أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } أي بسعيها عن اختيار منها . واللام متعلقة ب { ءاَتِيَةٌ } .

ولما كان خفاء الساعة من اليقينيات وفي ( كاد ) معنى القرب من ذلك ، لعدم وضعها للجزم بالفعل ، تأولوا الآية على وجوه :

أحدها : أن ( كاد ) منه تعالى واجب . والمعنى أنا أخفيها عن الحق . كقوله : ( عسى أن يكون قريبا ) أي هو قريب .

ثانها– قال أبو مسلم : { أكاد } بمعنى أريد كقوله تعالى : { كذلك كدنا ليوسف } ومن أمثالهم المتداولة ( لا أفعل ذلك ولا أكاد ) أي ولا أريد أن أفعله . قال الشهاب : تفسير { أكاد } ب ( أريد ) هو أحد معانيها . كما نقله ابن جني في ( المحتسب ) عن الأخفش . واستدلوا عليه بقوله .

كادت وكدت وتلك خير إرادة لو *** عاد من لهو الصبابة ما مضى

بمعنى أرادت . لقوله ( تلك خير إرادة ) .

ثالثها : أن { أكاد } صلة في الكلام . قال زيد الخيل .

سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه *** فما إن يكاد قرنه يتنفس

رابعها : أن المعنى أكاد أخفيها فلا أذكرها إجمالا ولا أقول هي آتية . وذلك لفرط إرادته تعالى إخفاءها . إلا أن في إجمال ذكرها حكمة ، وهي اللطف بالمؤمنين ، لحثهم على الأعمال الصالحة ، وقطعه أعذار غيرهم حتى لا يعتذروا بعدم العلم . وثمة وجوه أخر لا تخلوا من تكلف ، وإن اتسع اللفظ لها .