تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

الآية 15 : وقوله تعالى : { إن الساعة آتية أكاد أخفيها } قال الحسن : { أكاد } صلة ؛ كأنه قال : إن الساعة آتية أخفيها . وفي حرف أبي بن كعب : إن الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي . ثم يحتمل قوله : من نفسي وجهين :

أحدهما : أخفيها من خلقي ، ولا يجب أن يفهم من نفسه ذاته بالإضافة إليه كما لم يفهم من قوله : { من روحي } [ الحجر : 29 ] وقوله : {[12191]}{ من روحنا } [ الأنبياء : 91 ] وهو أخفى من الناس ذاته ، ولكن فهم منه خَلقُهُ . فعلى ذلك لا يفهم من قوله : من نفسي ذاته . هذا يحتمل ، والله أعلم .

والثاني : أن يكون قوله : { أكاد أخفيها } من نفسي أي من أخيار عبادي ، أي أخفيها من أخيار عبادي مع عظيم قدرهم ومنزلتهم عندي : من نحو الملائكة والأنبياء والرسل . إن من عادة ملوك الأرض أنهم لا يكتمون سرائرهم من خواصهم ، بل يطلعونهم على ذلك . فأخبر عز وجل ، والله أعلم ، أنه أخفاها من خواص عباده وأخيارهم . فكيف من دونهم ؟ فتكون{[12192]} إضافته إياهم إلى نفسه لعظم قدر أولئك وفضل منزلتهم كقوله : { إن تنصروا الله ينصركم } [ محمد : 7 ] والله لا يُنصر ، ولكن إن تنصروا دين الله ينصركم ، أو إن تنصروا أولياء الله ينصركم . وكذلك قوله : { يخادعون الله } [ البقرة : 9 ] والله لا يُخادع ، ولكن يخادعون أولياء الله ، ونحوه .

فعلى ذلك : قوله : { أخفيها } من نفسي أي من خواصي وأخيار خلقي ، والله أعلم .

هذا على إسقاط قوله : { أكاد } وجعله صلة . وأما على إثبات { أكاد } فهو على وجهين :

أحدهما : يقال : كاد أراد ، أي أريد [ أن ] {[12193]} أخفيها ، وهو معروف باللغة .

والثاني : كاد ؛ يقال : قارب ، وهو سائغ في اللغة ، جار كاد على إرادة مقاربة [ كقولهم ] {[12194]} : كادت الشمس أن تطلع ، أو تغرب ، أي قاربت [ وقول من قال ] {[12195]} كدت أن أسقط ، أي قاربت [ وهو ] {[12196]} لا يريد السقوط . فإذا كان على هذا فهو قال ذلك ، والله أعلم ، على التعظيم لها ؛ أي قارب أن يخفيها من نفسه ، فكيف من غيره ؟

وقال ابن عباس قريبا من هذا : أي { أكاد أخفيها } من نفسي ، فكيف أعلنها لكم ؟ أي لا أُظهر عليها أبدا غيري ، فكأنه استجاز الإخفاء في موضع الإظهار [ وهو سائغ جار في اللغة ] {[12197]} نحو ما قالوا في قوله : { وأسروا الندامة لما رأوا العذاب }[ يونس : 54 وسبأ : 33 ] أي أظهروا . فعلى ما كان الإسرار في موضع الإظهار والكتمان{[12198]} رأوا الإخفاء مستعملا في الأمرين جميعا . وكذلك قال أبو عوسجة : { أخفيها } أي أظهرها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لتجزى كل نفس بما تسعى } أي لهذا أخفيها{[12199]} { لتجزى كل نفس بما تسعى } لأنها لو كانت ظاهرة يعاينها كل أحد ، ويعلمها لما كان ذلك جزاء . ولكن كان دفعا ، لأنه يعاين كل إنسان ما{[12200]} نزل بهذه النفس بما سعت من العذاب ، فيمتنع هو عنه . وإذا رأى كل أحد ثواب هذا بسعيه يرغب في مثله ، فيكون ذلك كله بحق الدفع لا بحق الجزاء . فأخبر أنه أخفاها للجزاء والمحنة ، لا للدفع ، والله أعلم .


[12191]:في الأصل وم: و.
[12192]:من م، في الأصل: فكيف.
[12193]:ساقطة من الأصل وم.
[12194]:ساقطة من الأصل وم.
[12195]:ساقطة من الأصل وم.
[12196]:في الأصل وم: وإلا.
[12197]:في الأصل وم: باللغة.
[12198]:أدرج بعدها في الأصل وم: فعلى ذلك.
[12199]:أدرج قبلها في الأصل وم: لما.
[12200]:في الأصل وم: بما.