النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

قوله تعالى : { أكَادُ أُخْفِيهَا } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : أي لا أظهر عليها أحداً ، قاله الحسن . ويكون أكاد بمعنى أريد أخفيها .

الثاني : أكاد أخفيها من نفسي ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وهي كذلك في قراءة أُبَيّ " أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي " ويكون المقصود من ذلك تبعيد الوصول إلى علمها . وتقديره : إذا كنت أخفيها من{[1892]} نفسي فكيف أظهرها لك ؟

الثالث : معناه أن الساعة آتية أكاد . انقطع الكلام عند أكاد وبعده مضمر أكاد آتي بها ، تقريباً لورودها ، ثم استأنف : أخفيها لتجزى كل نفسٍ بما تسعى . قاله الأنباري ، ومثله قول ضابىء البرجمي{[1893]} :

هممت ولم أفعل وكدت وليتني *** تركت على عثمان تبكي حلائله

أي كدت أن أقتله ، فأضمره لبيان معناه .

الرابع : أن معنى -أخفيها : أظهرها ، قاله أبو عبيدة وأنشد :

فإن تدفنوا الداءَ لا نخفيه *** وأن تبعثوا الحرب لا نقعد{[1894]}

[ فالفعل أخفى من الأضداد ] يقال أخفيت الشيء أي أظهرته وأخفيته إذا كتمته ، كما يقال أسررت الشيء إذا كتمته ، وأسررته إذا أظهرته .

وفي قوله : { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ } وجهان :

أحدهما : أسر الرؤساء الندامة عن الأتباع الذي أضلوهم . والثاني : أظهروا الندامة . قال الشاعر :

ولما رأى الحجاج أظهر سيفه *** أسر الحروري الذي كان أضمرا

{ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } فيه وجهان :

أحدهما : أنه على وجه القسم من الله ، إن كل نفس تجزى بما تسعى .

الثاني : أنه إخبار من الله أن كل نفس تجزى بما تسعى .


[1892]:ويكون هذا على ما جرت عليه عادة العرب في كلامهم من أن أحدهم إذا بالغ في كتمان الشيء قال: كدت أخفيه من نفسي، والله تعالى لا يخفى عليه شيء.
[1893]:شاعر أدرك عثمان بن عفان وكان بالمدينة وكان كثير الشر بذيئا، رمى أم بني نهثل في كلب فشكوه إلى عثمان فحبسه فقال ضابىء هذا الشعر في سجنه الذي مات فيه وبعد أن قتل عثمان وثب عليه عمير بن ضابئ فكسر صلبه. وقد قتل الحجاج عميرا هذا.
[1894]:البيت لامرئ القيس.