الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

وقولُه تعالى : { إِنَّ الساعة } [ طه : 15 ] يريدُ : القيامةَ { آتيةٌ } فيه تحذيرٌ وَوَعِيدٌ ، وقرأ ابنُ كَثِير ، وعاصِمٌ : «أَكَاد أَخفيها » بفتح الهمزة بمعنى : أظْهرها ، أيْ : أنها من تيقُّن وقُوعِهَا تَكاد تَظْهَرُ ، لكن تَنْحَجِبُ إلى الأَجل المعلومِ ، والعربُ تقولُ : خَفَيْتُ الشَّيْءَ بمعنى : أَظْهَرْتُهُ .

وقرأ الجمْهورُ : «أُخْفِيهَا » بضم الهمزة فقيل : معناه : أظهرها ، وزعموا : أَنَّ «أَخْفَيْتُ » من الأَضْدَادِ ، وقالت فرقةٌ : { أَكَادُ } بمعنى أُرِيدُ ، أيْ : أرِيدُ إخْفَاءَها عنكم { لتجزى كل نفس بما تسعى } واسْتَشْهَدُوا بقول الشاعر : [ الكامل ]

كَادَتْ وَكِدْتَ وَتِلْكَ خَيْرُ إرَادَةٍ***

وقالت فرقةٌ : أَكاد : على بَابها بمعنى : بأَنها مقاربة ما لم يَقَعْ لكن الكلام جَارٍ على استعارة العَرَبِ ، ومَجَازِهَا ، فلما كانت الآيةُ عبارةٌ عن شِدَّةِ خَفَاءِ أَمْرِ القيامة ووقْتِها ، وكان القَطْعُ بإتْيَانِها مع جَهْلِ الوَقْتِ أَهْيَبُ على النفوسِ بالغ سُبْحَانَه في إبْهَامِ وقْتِها ، فقال : { أَكَادُ أُخْفِيهَا } حتَّى لاَ تظهرُ ألْبتةَ ، ولكن ذلك لا يقعُ ، ولا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا ، وهذا التَّأْوِيلُ هو الأقوى عندي .