ولما ذكر تعالى الأمر بالعبادة وإقامة الصلاة ذكر الحامل على ذلك وهو البعث والمعاد للجزاء فقال { إن الساعة آتية } وهي التي يظهر عندها ما عمله الإنسان وجزاء ذلك إما ثواباً وإما عقاباً .
وقرأ أبو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد أَخْفِيها بفتح الهمزة ورويت عن ابن كثير وعاصم بمعنى أظهرها أي إنها من صحة وقوعها وتيقن كونها تكاد تظهر ، ولكن تأخرت إلى الأجل المعلوم وتقول العرب : خفيت الشيء أي أظهرته .
خفاهن من إيقانهن كأنما *** خفاهن ودق من عشي مجلب
فإن تدفنوا الداء لا نخفه ***وإن توقدوا الحرب لا نقعد
ولام { لتجزَى } على هذه القراءة متعلقة بأخفيها أي أظهرها { لتجزَى } كل نفس .
وقرأ الجمهور { أُخْفِيها } بضم الهمزة وهو مضارع أخفي بمعنى ستر ، والهمزة هنا للإزالة أي أزلت الخفاء وهو الظهور ، وإذا أزلت الظهور صار للستر كقولك : أعجمت الكتاب أزلت عنه العجمة .
وقال أبو علي : هذا من باب السلب ومعناه ، أزيل عنها خفاءها وهو سترها ، واللام على قراءة الجمهور .
قال صاحب اللوامح متعلقة بآتية كأنه قال { إن الساعة آتية } لنجزي انتهى ، ولا يتم ذلك إلاّ إذا قدرنا { أكاد أخفيها } جملة اعتراضية ، فإن جعلتها في موضع الصفة لآتية فلا يجوز ذلك على رأي البصريين لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا وصف قبل أخذ معموله .
وقيل : { أخفيها } بضم الهمزة بمعنى أظهرها فتتحد القراءتان ، وأخفى من الأضداد بمعنى الإظهار وبمعنى الستر .
قال أبو عبيدة : خفيت وأخفيت بمعنى واحد وقد حكاه أبو الخطاب وهو رئيس من رؤساء اللغة لا شك في صدقه و { أكاد } من أفعال المقاربة لكنها مجاز هنا ، ولما كانت الآية عبارة عن شدة إخفاء أمر القيامة ووقتها وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس بالغ في إبهام وقتها فقال { أكاد أخفيها } حتى لا تظهر ألبتة ، ولكن لا بد من ظهورها .
وقالت فرقة { أكاد } بمعنى أريد ، فالمعنى أريد إخفاءها وقاله الأخفش وابن الأنباري وأبو مسلم .
قال أبو مسلم : ومن أمثالهم لا أفعل ذلك : ولا أكاد أي لا أريد أن أفعله .
وقالت فرقة : خبر كاد محذوف تقديره { أكاد } أتى بها لقربها وصحة وقوعها كما حذف في قول صابيء البرجمي :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني *** تركت على عثمان تبكي حلائله
وتم الكلام ثم استأنف الإخبار بأنه يخفيها واختاره النحاس .
وقالت فرقة : معناه { أكاد أخفيها } من نفسي إشارة إلى شدة غموضها عن المخلوقين وهو مروي عن ابن عباس .
ولما رأى بعضهم قلق هذا القول قال معنى من نفسي : من تلقائي ومن عندي .
وقالت فرقة { أكاد } زائدة لا دخول لها في المعنى بل الإخبار أن الساعة آتية وأن الله يخفي وقت إتيانها ، وروي هذا المعنى عن ابن جبير ، واستدلوا على زيادة كاد بقوله تعالى { لم يكد يراها } وبقول الشاعر وهو زيد الخيل :
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه *** فما إن يكاد قرنه يتنفس
وأن لا ألوم النفس مما أصابني *** وأن لا أكاد بالذي نلت أنجح
وقال الزمخشري : { أكاد أخفيها } فلا أقول هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها ، ولولا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به .
وقيل : معناه { أكاد أخفيها } من نفسي ولا دليل في الكلام على هذا المحذوف ، ومحذوف لا دليل عليه مطرح .
والذي غرهم منه أن في مصحف أبي { أكاد أخفيها } من نفسي وفي بعض المصاحف { أكاد أخفيها } من نفسي فكيف أظهركم عليها انتهى .
ورويت هذه الزيادة أيضاً عن أُبَيّ ذكر ذلك ابن خالويه .
وفي مصحف عبد الله { أكاد أخفيها } من نفسي فكيف يعلمها مخلوق .
وفي بعض القراءات وكيف أظهرها لكم وهذا محمول على ما جرت به عادة العرب من أن أحدهم إذا بالغ في كتمان الشيء قال : كدت أخفيه من نفسي ، والله تعالى لا يخفى عليه شيء قال معناه قطرب وغيره .
أيام تصحبني هند وأخبرها *** ما كدت أكتمه عني من الخبر
وكيف يكتم من نفسه ومن نحو هذا من المبالغة ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، والضمير في { أخفيها } عائد على { الساعة } و { الساعة } يوم القيامة بلا خلاف ، والسعي هنا العمل .
والظاهر أن الضمير في { عنها } و { بها } عائد على الساعة .
وقيل { عنها } عن الصلاة و { بها } أي بالساعة ، وأبعد جداً من ذهب إلى أن الضمير في { عنها } يعود على ما تقدم من كلمة { لا إله إلاّ أنا فاعبدني } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.