الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

ثم قال تعالى ذكره : { إن الساعة آتية أكاد أخفيها }[ 14 ] . أي : إن القيامة جاثية أكاد أسترها .

وقال ابن عباس{[44951]} معناه : لا أظهر عليها غيري .

وقال مجاهد وابن جبير : أكاد أخفيها من نفسي . وقاله قتادة والضحاك{[44952]} .

وقرأ ابن جبير بفتح همزة ( أخفيها ){[44953]} . وكذلك روى عن مجاهد والحسن ، بمعنى أظهرها{[44954]} . يقال خفيت الشيء وأخفيته بمعنى : أظهرته . ومنه قيل للنباش المختفي ، لأنه يظهر الموتى ويقال : أخفى بمعنى ستر . هذا هو المشهور في كلام العرب . وإنما حسن أن تتأول الآية في قراءة من ضم الهمزة على أخفيها من نفسي – والله لا يخفى عليه شيء – لأنه تعالى خاطب العرب على ما تعرف ، وتستعمل فيما بينها من المخاطبات . وقد كان الرجل منهم إذا تبالغ{[44955]} في الخبر عن إخفاء شيء هو له مسر ، قال : كدت أخفيه من نفسي . فخوطبوا على أبلغ ما يعقلون .

وقيل : إن : ( أكاد ) بمعنى أريد . وذلك معروف في اللغة . فيكون المعنى أريد أخفيها . أي أسترها لتجزي كل نفس بما تسعى .

وقيل{[44956]} : إن تمام الكلام ( أكاد ) أي : أكاد أن آتي بها ، ثم ابتدأ فقال أخفيها أي : ولكني أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى .

وقيل : أكاد زائدة . وهو قول الأخفش . قال : ومنه قوله تعالى : { لم يكد يراها }{[44957]} وإنما هو لم يرها .

وقيل{[44958]} : معنى قول من قال : معناها أكاد أخفيها من نفسي ، أي من قبلي ومن عندي{[44959]} .

وقيل : إن المعنى أن الله تعالى قد أرسل الرسل بخير أن{[44960]} الساعة آتية ، وكذب بها الأمم فقال : ( أكاد أخفيها ) أي : أكاد لا أجعل لها دليلا ، فتأتي بغتة . فلم يخفها تعالى ذكره لأنه قد أرسل الرسل ينذرون الناس ويحذرونهم من قياما ، وإنما احتاج العلماء{[44961]} إلى هذه التأويلات ، لأن القائل إذا قال : كدت أخفيه ( كان معنى قوله : أنه أظهره ، فيجب أن يكون معنى ( أكاد أخفيها ) أظهرها{[44962]} . وذلك صحيح ، لأن الله عز وجل قد أظهر علاماتها وأشراطها .

واختار النحاس أن يكون المعنى : أن الساعة آتية أكاد ( تم الكلام أي : أكاد آتي . ودل ( آتية ) على ( أتي بها ) . ثم قال ( أخفيها ) على الابتداء . فصح المعنى ، لأن الله تعالى قد أخفى وقتها .

وقوله : { لتجزى كل نفس بما تسعى } اللام متعلقة ب( آتية ){[44963]} .

وقيل ب{ وأقم الصلاة لذكري } أي : لتثاب كل نفس من المكلفين بما تعمل من خير وشر .

و( السعي ) العمل . وأجاز أبو حاتم{[44964]} الوقف على ( أخفيها ) . ويبتدئ بلام { ليجزى } بجعلها لام قسم . وذلك غلط ظاهر .


[44951]:انظر: جامع البيان 16/149 والقرطبي 11/185 والدر المنثور 4/294.
[44952]:انظر: جامع البيان 16/149-150 وزاد المسير 5/275 والدر المنثور 4/294.
[44953]:وهي قراءة شاذة، انظر: المحتسب 2/47 ومختصر ابن خالويه: 90.
[44954]:انظر: المصدر السابق.
[44955]:ز: بالغ.
[44956]:انظر: غريب إعراب القرآن 2/139 وتفسير القرطبي 11/184.
[44957]:النور: آية 39.
[44958]:انظر: تفسير القرطبي 11/184.
[44959]:ز: غيري.
[44960]:إن سقطت من ز.
[44961]:العلماء سقطت من ز.
[44962]:ز: أظهرتها. (تحريف).
[44963]:وذهب ابن الأنباري إلى أن اللام متعلقة بأخفيها، واستدل لذلك بأن أبا الحسن الأخفش، كان يقف وقفة لطيفة على قوله (أكاد) ثم يبتدئ ويقرأ (أخفيها لتجزئ كل نفس) فكأنه وقف تلك الوقفة ليبين أن اللام متعلقة بأخفيها، لا بآتية: (انظر: غريب إعراب القرآن 2/140.
[44964]:انظر: غريب إعراب القرآن 2/140.