معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

قوله تعالى : { فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر }

وذلك أنه قال له : اركض برجلك فركض برجله فنبعت عين ماء بارد فأمره أن يغتسل منها ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ، ثم مشى أربعين خطوة فأمره أن يضرب برجله الأرض مرة أخرى ففعل فنبعت عين ماء بارد ، فأمره فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه كأصح ما يكون من الرجال وأجملهم . { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } واختلفوا في ذلك ، فقال ابن مسعود و قتادة ، وابن عباس ، و الحسن ، وأكثر المفسرين : رد الله عز وجل إليه أهله وأولاده بأعيانهم أحياهم الله له وأعطاهم مثلهم معهم ، وهو ظاهر القرآن . قال الحسن : آتاه الله المثل من نسل ماله الذي رد الله إليه وأهله يدل عليه ما روي عن الضحاك عن ابن عباس أن الله عز وجل رد إلى المرأة شبابها فولدت له ستة وعشرين ذكراً . قال وهب كان له سبع بنات وثلاثة بنين . وقال ابن يسار : كان له سبع بنين وسبع بنات . وروي عن أنس يرفعه : أنه كان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله عز وجل سحابتين فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض . وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكاً وقال له : إن ربك يقرئك السلام بصبرك فأخرج على أندرك ، فخرج إليه فأرسل الله عليه جراداً من ذهب فطارت واحدة فاتبعها وردها إلى أندره ، فقال له الملك : أما يكفيك ما في أندرك ؟ فقال هذه بركة من بركات ربي ولا أشبع من بركته .

أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن يوسف السلمي ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر عن همام بن منبه ، قال : أنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أيوب يغتسل عرياناً خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه ، فناداه ربه يا أيوب : ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى ، وعزتك ، ولكن لا غنى لي عن بركتك " . وقال قوم : آتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا فأما الذين هلكوا فإنهم لم يردوا عليه في الدنيا . قال عكرمة : قيل لأيوب : إن أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا وإن شئت كانوا لك في الآخرة ، وآتيناك مثلهم في الدنيا فقال : يكونون لي في الآخرة ، وأوتى مثلهم في الدنيا ، فعلى هذا يكون معنى الآية : وآتيناه أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا وأراد بالأهل الأولاد { رحمة من عندنا } أي نعمة من عندنا ، { وذكرى للعابدين } أي : عظة وعبرة لهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

فتوسل إلى الله بالإخبار عن حال نفسه ، وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ ، وبرحمة ربه الواسعة العامة فاستجاب الله له ، وقال له : { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فركض برجله فخرجت من ركضته عين ماء باردة فاغتسل منها وشرب ، فأذهب الله عنه ما به من الأذى ، { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } أي : رددنا عليه أهله وماله .

{ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ } بأن منحه الله العافية من الأهل والمال شيئا كثيرا ، { رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } به ، حيث صبر ورضي ، فأثابه الله ثوابا عاجلا قبل ثواب الآخرة .

{ وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } أي : جعلناه عبرة للعابدين ، الذين ينتفعون بالعبر ، فإذا رأوا ما أصابه من البلاء ، ثم ما أثابه الله بعد زواله ، ونظروا السبب ، وجدوه الصبر ، ولهذا أثنى الله عليه به في قوله : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ} (84)

ثم عرفه تعالى بأنه قد أذن في صلاح حاله وعاد عليه بفضله ، فدعا أيوب عن ذلك فاستجيب له ، ويروى أن أيوب لم يزل صابراً لا يدعو في كشف ما به ، وكان فيما روي تقع منه الدود فيردها بيده ، حتى مر به قوم كانوا يعادونه فشمتوا به ، فتألم لذلك ودعا حينئذ فاستجيب له ، وكانت امرأته غائبة عنه في بعض شأنها فأنبع الله تعالى له عيناً وأمر بالشرب منها فبرئ باطنه ، وأمر بالاغتسال فبرئ ظاهره ، ورد إلى أفضل جماله ، وأتي بأحسن الثياب ، وهب عليه رجل{[8255]} من جراد من ذهب فجعل يحثي منها في ثوبه فناداه الله تعالى يا أيوب ألم أغنيتك عن هذا ، قال بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك ، فبينما هو كذلك إذ جاءت امرأته فلم تره على السباطة فجزعت وظنت أنه أزيل عنها ، وجعلت تتوله{[8256]} فقال لها ما شأنك أيتها المرأة فهابته لحسن هيئته ، وقالت إني فقدت مريضاً كان لي في هذا الموضع ومعالم المكان قد تغيرت ، وتأملته في أثناء المقاولة ، فرأت أيوب ، فقالت له أنت أيوب ، فقال لها نعم واعتنقها وبكى فروي أنه لم يفارقها حتى أراه الله تعالى جميع ماله حاضراً بين يديه ، واختلف الناس في أهله وولده بأعيانهم وجعل مثلهم له عدة في الآخرة ، وقيل بل أتى جميع ذلك في الدنيا من أهل ومال وقوله تعالى : { وذكرى للعابدين } أي وتذكرة وموعظة للمؤمنين ، ولا يعبد الله تعالى إلا مؤمن والذكرى إنما هي في محنته والرحمة في زوال ذلك ، وقوله { أني مسني الضر } تقديره «بأني مسني » فحذف الجار وبقيت { أني } في موضع نصب ، وروي أن سبب محنة أيوب أنه دخل مع قوم على ملك جار عليهم فأغلظ له القوم ، ولين له أيوب القول خوفاً منه على ماله ، فعاقبه الله تعالى على ذلك ، وروي أنه كان يقال له ما لك لا تدعو في العافية فكان يقول إني لأستحيي من الله تعالى أن أسأله زوال عذابه حتى يمر علي فيه ما مر من الرخاء ، وأصابه البلاء فيما روي وهو ابن ثمانين سنة .


[8255]:الرجل: الطائفة العظيمة من الجراد.
[8256]:وله وتوله: حزن حزنا شديدا.