معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (25)

قوله عز وجل :{ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات } بالآيات والحجج ، { وأنزلنا معهم الكتاب والميزان } يعني : العدل . وقال مقاتل بن سليمان : هو ما يوزن به ، أي : ووضعنا الميزان كما قال : { والسماء رفعها ووضع الميزان }( الرحمن- 7 ) { ليقوم الناس بالقسط } ، ليتعاملوا بينهم بالعدل . { وأنزلنا الحديد } روي عن ابن عمر يرفعه : إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض : الحديد ، والنار ، والماء ، والملح . وقال أهل المعاني معنى قوله : { أنزلنا الحديد } أنشأنا وأحدثنا ، أي : أخرج لهم الحديد من المعادن وعلمهم صنعه بوحيه . وقال قطرب هذا من النزل كما يقال : أنزل الأمير على فلان نزلاً حسناً ، فمعنى الآية : أنه جعل ذلك نزلاً لهم . ومثله قوله : { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج }( الزمر- 6 ) . { فيه بأس شديد } قوة شديدة ، يعني : السلاح للحرب . قال مجاهد : فيه جنة وسلاح يعني آلة الدفع وآلة الضرب ، { ومنافع للناس } مما ينتفعون به في مصالحهم كالسكين والفأس والإبرة ونحوها ، إذ هو آلة لكل صنعة ، { وليعلم الله } أي : أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق والعدل وليعلم الله وليرى الله ، { من ينصره } أي : دينه ، { ورسله بالغيب } أي : قام بنصرة الدين ولم ير الله ولا الآخرة ، وإنما يحمد ويثاب من أطاع الله بالغيب ، { إن الله قوي عزيز } قوي في أمره ، عزيز في ملكه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (25)

{ 25-27 } { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }

يقول تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ } وهي الأدلة والشواهد والعلامات الدالة على صدق ما جاءوا به وحقيته .

{ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ } وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب التي أنزلها الله لهداية الخلق وإرشادهم ، إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، { وَالْمِيزَانَ } وهو العدل في الأقوال والأفعال ، والدين الذي جاءت به الرسل ، كله عدل وقسط في الأوامر والنواهي وفي معاملات الخلق ، وفي الجنايات والقصاص والحدود [ والمواريث وغير ذلك ] ، وذلك { لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } قياما بدين الله ، وتحصيلا لمصالحهم التي لا يمكن حصرها وعدها ، وهذا دليل على أن الرسل متفقون في قاعدة الشرع ، وهو القيام بالقسط ، وإن اختلفت أنواع العدل ، بحسب الأزمنة والأحوال ، { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } من آلات الحرب ، كالسلاح والدروع وغير ذلك .

{ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } وهو ما يشاهد من نفعه في أنواع الصناعات والحرف ، والأواني وآلات الحرث ، حتى إنه قل أن يوجد شيء إلا وهو يحتاج إلى الحديد .

{ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ } أي : ليقيم تعالى سوق الامتحان بما أنزله من الكتاب والحديد ، فيتبين من ينصره وينصر رسله في حال الغيب ، التي ينفع فيها الإيمان قبل الشهادة ، التي لا فائدة بوجود الإيمان فيها ، لأنه حينئذ يكون ضروريا .

{ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي : لا يعجزه شيء ، ولا يفوته هارب ، ومن قوته وعزته أن أنزل الحديد الذي منه الآلات القوية ، ومن قوته وعزته أنه قادر على الانتصار من أعدائه ، ولكنه يبتلي أولياءه بأعدائه ، ليعلم من ينصره بالغيب ، وقرن تعالى في هذا{[996]}  الموضع بين الكتاب والحديد ، لأن بهذين الأمرين ينصر الله دينه ، ويعلي كلمته بالكتاب الذي فيه الحجة والبرهان والسيف الناصر بإذن الله ، وكلاهما قيامه بالعدل والقسط ، الذي يستدل به على حكمة الباري وكماله ، وكمال شريعته التي شرعها على ألسنة رسله .


[996]:- في ب: بهذا.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (25)

لقد أرسلنا رسلنا أي الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى الأمم بالبينات بالحجج والمعجزات وأنزلنا معهم الكتاب ليبين الحق ويميز صواب العمل والميزان لتسوى به الحقوق ويقام به العدل كما قال تعالى ليقوم الناس بالقسط وإنزاله إنزال أسبابه والأمر باعداده وقيل أنزل الميزان إلى نوح عليه السلام ويجوز أن يراد به العدل ليقوم الناس بالقسط لتقام به السياسة وتدفع به الأعداء كما قال وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد فإن آلات الحروب متخذة منه ومنافع للناس إذ ما من صنعة إلا والحديد آلاتها وليعلم الله من ينصره ورسله باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلا أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله بالغيب حال من المستكن في ينصره إن الله قوي على إهلاك من أراد إهلاكه عزيز لا يفتقر إلى نصرة وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (25)

و : { الكتاب } اسم جنس لجميع الكتب المنزلة . { والميزان } : العدل في تأويل أكثر المتأولين . وقال ابن زيد وغيره من المتأولين : أراد الموازين المصرفة بين الناس ، وهذا جزء من القول الأول .

وقوله : { ليقوم الناس بالقسط } يقوي القول الأول .

وقوله تعالى : { وأنزلنا الحديد } عبر عن خلقه وإيجاده بالإنزال كما قال في الثمانية الأزواج من الأنعام{[10987]} ، وأيضاً فإن الأمر بكون الأشياء لما تلقى من السماء ، جعل الكل نزولاً منها . وقال جمهور كثير من المفسرين : { الحديد } هنا : أراد به جنسه من المعادن وغيرها . وقال ابن عباس : نزل آدم من الجنة ومعه السندان والكلبتان والميقعة{[10988]} ، قال حذاق من المفسرين : أراد به السلاح ، ويترتب معنى الآية بأن الله أخبر أنه أرسل رسله وأنزل كتباً وعدلاً مشروعاً وسلاحاً يحارب به من عند ولم يهتد بهدي الله فلم يبق عذر ، وفي الآية على هذا التأويل حض على القتال وترغيب فيه .

وقوله : { وليعلم الله من ينصره } يقوي هذا التأويل ، ومعنى قوله : { ليعلم } أي ليعلمه موجوداً فالتغير ليس في علم الله ، بل في هذا الحدث الذي خرج من العدم إلى الوجود .

وقوله : { بالغيب } معناه : بما سمع من الأوصاف الغائبة فآمن بها لقيام الأدلة عليها .

ثم وصف تعالى نفسه بالقوة والعزة ليبين أنه لا حاجة به إلى النصرة ، لكنها نافعة من عصم بها نفسه من الناس .


[10987]:في قوله تعالى في الآية(6) في سورة الزمر:{وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج}.
[10988]:السندان: قطعة من الحديد يطرق الحداد عليها ما يريد تشكيله من الحديد، والكلبتان: أداة يأخذ بها الحداد الحديد من النار (كماشة)، والميقعة: المطرقة.